في عام 2012، أوصت لجنة أميركية حكومية تضم خبراءً وأطباء متخصصين، بعدم ضرورة أو جدوى إجراء فحص الدم المعروف ب (بي. إس. آيه)، والمستخدم للكشف عن سرطان البروستاتا في مراحله المبكرة. وبينت اللجنة توصياتها تلك حينها، على نتائج الدراسات التي أظهرت أن الآثار والمضاعفات السلبية التي تنتج عن هذا الفحص، بما في ذلك النتائج الخاطئة، والعدوى، والقلق والتوتر اللذان يترافقان معها، بالإضافة إلى اللجوء لأساليب علاجية شديدة الخطورة لسرطان ربما كان لن يسبب أذى يذكر لو لم يتم علاجه، وهو ما يجعل المخاطر والسلبيات المترافقة مع هذا الفحص تفوق الفوائد المرجوة منه. موقف هذه اللجنة، والمعروفة بمجموعة عمل الخدمات الوقائية (U.S. Preventive Services Task Force)، تغير نسبياً وأصبح أكثر مرونة مؤخراً، مع تحديث تلك التوصيات وتضمينها لحالات يمكن أن تستفيد من الفحص المبكر للكشف عن سرطان البروستاتا، مثل بعض الرجال بين سن الخامسة والخمسين والتاسعة والستين، بما في ذلك الذين ترتفع لديهم احتمالات الإصابة بسبب تاريخ عائلي للإصابة بسرطان البروستاتا، أو أيا من الأمراض السرطانية الأخرى المرتبطة به، أو إذا كانوا من أصول أفريقية. ويهدف هذا الفحص إلى الكشف عن بروتين معين تنتجه خلايا البروستاتا، وترتفع مستوياته بشكل ملحوظ في حالة إصابتها بالسرطان. ويمكن رد جزء من التغير النسبي في موقف أعضاء فريق عمل الخدمات الوقائية تجاه هذا الفحص إلى نتائج الدراسات التي تظهر حدوث زيادة ملحوظة في نسبة الأنواع الشرسة والخطيرة من سرطان البروستاتا، منذ نشر التوصيات الأولية عام 2012، اثنتان من هذه الدراسات عرضت نتائجها مؤخراً ضمن مؤتمر الجمعية الأوروبية لأمراض الكليتين والمسالك البولية. وفي بريطانيا وللمرة الأولى، أظهرت البيانات والإحصائيات بداية شهر فبراير الماضي أن الوفيات السنوية الناتجة عن سرطان البروستاتا بين الذكور، تخطت في عددها الوفيات الناتجة عن سرطان الثدي بين النساء. ففي عام 2015، توفي 11819 رجلا بسبب سرطان البروستاتا، مقابل 11442 امرأة بسبب سرطان الثدي، وهو ما يضع ضحايا سرطان البروستاتا في المرتبة الثالثة على قائمة عدد الضحايا في بريطانيا، ولا يسبقه على هذه القائمة إلا سرطان الرئة وسرطان القولون. وبخلاف التطورات والاختراقات التي تحققت في مجال التشخيص المبكر والعلاج الفعال لسرطان الثدي، مما أدى إلى تراجع عدد الوفيات الناتجة عنه، يعزى السبب خلف تقدم سرطان البروستاتا على قائمة عدد الضحايا إلى ارتفاع متوسط أعمار أفراد المجتمع بوجه عام، ضمن الظاهرة المعروفة بشيخوخة المجتمعات. وبوجه عام يحتل سرطان البروستاتا حاليا المرتبة الثانية على قائمة أكثر أنواع السرطان التي يتم تشخيصها بين الرجال، وبنسبة 15 في المئة من بين جميع أنواع الأمراض السرطانية. ففي عام 2010 وحده لقي ربع مليون حتفهم بسبب سرطان البروستاتا، وبزيادة تقارب الثلثين مقارنة بمن توفوا في عام 1990، الذين بلغ عددهم حينها 156 ألف رجل. والبروستاتا هي غدة صغيرة، في حجم ثمرة الجوز، تحيط بعنق المثانة البولية لدى الرجال عند بداية خروج مجرى البول، تفرز سائلاً قلوياً، يُشكل 30 في المئة من السائل المنوي، ويلعب دوراً مهماً في الحياة الجنسية وفي الإخصاب. وعلى رغم تعرض نسبة كبيرة من الرجال للأمراض والعلل التي تصيب البروستاتا، مثل التضخم، والالتهاب، والسرطان، فإن غالبيتهم لا يعلمون عنها شيئا، أو يعرفون عنها القليل فقط، مع أنها تتسبب في عدد كبير من الوفيات بينهم. ويعتمد تشخيص الإصابة بسرطان البروستاتا على الفحص الإكلينيكي، وتحليل الدم سابق الذكر، وبشكل أدق على فحص عينة من نسيج البروستاتا (خزعة) تحت المجهر. بينما تعتمد استراتيجية علاج سرطان البروستاتا -أو إدارة المرض كما يحلو للبعض أن يطلق عليها- على عدة أساليب وتدابير، مثل الجراحة، والعلاج الإشعاعي، والموجات الصوتية عالية الشدة، والجراحة بالتبريد، والعلاج الكيميائي، أو مزيج من تلك الأساليب، أو ربما حتى مجرد الانتظار والمراقبة والمتابعة الدورية. ويعتمد اختيار أيا من هذه الأساليب أو المزج بينها، على عدة عوامل، مثل مدى ومرحلة انتشار المرض، ونتائج تحاليل وفحوصات متخصصة، بالإضافة إلى عمر الرجل، ووضعه الصحي العام، ومدى تقبله وموافقته على المضاعفات الجانبية المصاحبة للعلاج.