اختُتمت في مكة المكرمة القمة الرباعية في 11 يونيو 2018 التي دعا لعقدها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملك السعودية، بالاتفاق على قيام كل من الإمارات والسعودية والكويت بتقديم حزمة من المساعدات الاقتصادية للأردن بقيمة 2.5 مليار دولار. وتمثل حزمة المساعدات وديعة بالبنك المركزي الأردني، وضمانات للبنك الدولي لمصلحة الأردن، ودعم سنوي لميزانية الحكومة الأردنية لمدة خمس سنوات، وتمويل من صناديق التنمية لمشاريع إنمائية. وقد أبدى عاهل الأردن شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين على مبادرته الكريمة بالدعوة للاجتماع، وللإمارات والكويت على تجاوبهما مع هذه الدعوة، وامتنانه الكبير للدول الثلاث على تقديم هذه الحزمة من المساعدات التي ستسهم في تجاوز الأردن لأزمته. وكانت دولة الإمارات قد أكدت في وقت سابق، وقوفها مع المملكة الأردنية الهاشمية بما يصون أمنها ويحفظ استقرارها، في ضوء العلاقات الاستراتيجية الوطيدة بين البلدين. الموضوع لا يتعلق بالدعم المالي للأردن، بقدر ما يتعلق بإخراج الأردن من الدخول في فوضى تهدد المملكة، وتهدد البوابة العربية الشمالية، خطوة من أجل تجنب المخاطر والإنزلاقات والتوحش المحيط بأطراف الأردن بإتجاه سوريا والعراق اللتين تموران بالفوضى العارمة، إضافة إلى نزعات «الدواعش» والميليشيات الإيرانية التي تتوق إلى زعزعة أمن البلدان العربية. الحالة الأردنية السياسية وحراك الشارع، لهما بواعث داخلية وإقليمية مهمة، بينما جماعة «الإخوان» تجد متنفساً لحظرها الإقليمي الخانق، ونظام قطر يريد أن يجرب لعبته وخيانته عبر تسليط قناة «الجزيرة» على الاحتجاجات الأخيرة في الأردن. والشارع الأردني كان واعياً ومدركاً لألاعيب قناة «الجزيرة»، وبذلك خيب آمال نظام قطر والإيرانيين والأتراك وجماعات الخوارج من «الإخوان» المأجورين، الذين توهموا أن ينزعوا الأردن من صلاته وإرتباطاته الوثيقة بدول الخليج العربي. الأردن يعيش ظروفاً خاصة، لوقوعه في حيّز معقد بتضاريسه الجيوسياسية، محاذي لجوار ملتهب، بنيران الحرب والفوضى لعدة سنوات ويطل على فلسطين المحتلة بجوار لئيم حيث إسرائيل، التي قد تجد ضالتها في تحول الأردن إلى فوضى، تخدم أهدافها الديموغرافية. حالة الأردن الاقتصادية أصبحت شبه دائمة، بالنظر إلى قلة الموارد، مع يعج من عمالة مثقفة وعاطلة عن العمل. الأردن مع ما تعرض من هجرات متتالية عبر عقود من الزمن، أجبرته أن يكون ملجأً لعدد من الشعوب العربية التي عانت حروباً طاحنة، بنحو 1,5 سوري و750 ألف عراقي، إضافة إلى لاجئين يمنيين وليبيين، وهذا ما زاد أكلافه والتزاماته، تجاه المجتمع الدولي. موقف الأردن السياسي تجاه إيران برز مبكراً، عندما حذّر الملك عبدالله من «الهلال الشيعي والأفعى الإيرانية»، كما أن قمة مكة التي جاءت بصورة عاجلة لتشكل رافعة ومنقذة للشقيقة المملكة الأردنية الهاشمية وشعبها الوفي الكريم، شكّلت صفعة قاتلة لأولئك المروجين والمتربصين ممن ينفثون سمومهم لإحداث الفتن وزعزعة أمن المنطقة العربية بوكلاء الإرهاب، ولا عزاء بعدها وهم يجرون ذيول الخيبة والهزيمة النكراء. الأردن بجانب هذه الحزمة من المساعدات سيتبعها ببرامج ومشروعات استثمارية لخلق مناخ اقتصادي، في المسار الصحيح، وبالطبع يتطلب من الحكومة الأردنية، إتخاذ إجراءات حازمة وبعزم بهدف وضع أسس سليمة وبشفافية لمراقبة المال العام ومكافحة الفساد الإداري لبناء الثقة في السوق الأردني، ما يجلب الاستثمار الأجنبي والتحقق أن المساعدات تصرف في الخدمات التي يستفيد منها الشعب الأردني وبهذه الحيثية تستطيع الحكومة الأردنية أن تخلق هيكلاً اقتصادياً يساعدها في التغلب على أزمتها المالية. وأن تحوز رضى الشعب الأردني وارتياح الدول الشقيقة التي تقف بجانبها. الأردن بحكمة ملكه وشعبه المتعلم قادر على أن يتجاوز هذه الأزمة بعزيمة نحو مستقبل أفضل ينقل المملكة إلى مرحلة متقدمة اقتصادياً بمساعدة أشقائها من دول الخليج العربي بعون من الله وتوفيقه، لتبقى البوابة الشمالية موصدة في وجه الأعداء.