بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يعتبر تنظيم كأس العالم 2018 بالغ الأهمية، فهو من محبي الرياضة ومن ممارسيها، وهو حائز الحزام الأسود في الجودو، ولا يتردد في إظهار عضلاته لإعطاء انطباع بالقوة. لكن، وبغض النظر عن ميوله الشخصية، فهو مقتنع بالأهمية الجيوسياسية للرياضة كوسيلة للإشعاع بالنسبة للدول، وكإحدى وسائل القوة الناعمة التي يميل لاستخدامها. وقد مثّل تنظيم الألعاب الأولمبية الشتوية في «سوتشي» الروسية سنة 2014 وسيلةً للتكفير عن إهانة الألعاب الأولمبية الصيفية لسنة 1980 التي قاطعتها بلدان غربية عديدة عقب الغزو السوفييتي لأفغانستان. ورغم الأزمة الأوكرانية، فإن أي بلد لم يمنع منتخبه من المشاركة في سوتشي 2014، لكن كأس العالم تحظى بأهمية أكبر بكثير من الألعاب الأولمبية الشتوية. فهي الحدث الرياضي المعولم والأكثر متابعة، كما أنها تتعلق برياضة كونية: كرة القدم. ورغم الخلافات الاستراتيجية الحالية مع البلدان الغربية، وأجواء «الحرب الباردة الجديدة»، فإن كل البلدان المؤهلة حاضرة. صحيح أن الزعماء البريطانيين أعلنوا أنه لن يكون ثمة تمثيل دبلوماسي لبلادهم، لكن هذا لا يهم كثيراً بالنسبة لسيد الكريملن. فكل الفرق ستكون حاضرة، وأوكرانيا والولايات المتحدة، البلَدان الأشد خلافاً مع روسيا حالياً، لم يتأهلا لكأس العالم أصلاً. وبالنسبة لبوتين، فإن الرياضة هي أيضاً وسيلة لتحقيق الصحة العمومية، فروسيا لديها معدل أمد حياة أقل من نظيره في البلدان المتقدمة. وقد كانت ثمة احتجاجات على استضافة روسيا لمنافسات كأس العالم. لكن تنظيم هذا النوع من الأحداث الرياضية العالمية الكبرى لا يمكن أن يظل حكراً على بلدان أوروبا وأميركا الجنوبية، فالتعددية القطبية للعالم تعني أيضاً التناوب على تنظيم المنافسات الرياضية المعولمة. وقد تنافس ملف إنجلترا والملفان المشتركان هولندا/بلجيكا وإسبانيا/البرتغال مع ملف روسيا على تنظيم كأس العالم لعام 2018. غير أن بلجيكا لم تكن لديها أي حكومة لقرابة سنة، فيما كانت إسبانيا والبرتغال تواجهان صعوبات اقتصادية. وباختياره روسيا، انحاز الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» لعامل الأمن: فضمانة الدولة الروسية والمشاركة الشخصية لبوتين تطمئنان لتنفيذ شروط «الفيفا». ومن جهة أخرى، فليس من غير المنطقي أن تمنح «الفيفا»، ضمن رغبتها في إمبراطورية كونية، شرف تنظيم المنافسات لبلدان لم يسبق أن نُظمت فيها. لكن أن يكون بلد ما في مركز اهتمام العالم قد ينطوي على بعض الإزعاج، إذ ربما يعني تسليط الضوء على بعض نقاط ضعفه. فما التحديات أو الفخاخ والمصايد التي قد تؤدي إلى نتائج سلبية من وراء مونديال 2018؟ الخطر الأول الذي ليس لبوتين أي سلطة عليه هو مشوار المنتخب الوطني الروسي نفسه في منافسات كأس العالم. فمستوى هذا المنتخب يبدو أبعد ما يكون عن الممتاز، لذا فإن سمعة روسيا ستعتمد أيضاً على أداء منتخبها. ومع ذلك، فلدى بوتين ضمانات مهمة: الملاعب جاهزة، والفنادق ووسائل النقل والاتصال تعمل.. لذا فكأس العالم يفترض أن تعطي صورة بلد حديث. مثيرو الشغب الروس معروفون بعنفهم، وأي حوادث خطرة أو اعتداءات على المشجعين الأجانب، يمكن أن تعطي الانطباع بانعدام الأمن وبفشل السلطات الروسية. ونتذكر أنه خلال بطولة أوروبا لكرة القدم 2016 التي استضافتها فرنسا، هاجم مشجعون روس مشجعين إنجليز، وكان ذلك الحادث الوحيد في تلك المنافسة. غير أنه يمكننا الوثوق بأن مثيري الشغب أولئك يخضعون لمراقبة شديدة وأنهم فهموا الأخطار التي سيقدمون عليها إن تحدوا إرادة بوتين. ومعلوم عن بعض المشجعين الروس انخراطهم في أعمال عنصرية، حيث يُستقبل اللاعبون السود أحياناً بصيحات القرود أو رمي بالموز. وإذا وقع حدثٌ من هذا القبيل ضد فريق أفريقي، فستتضرر كثيراً سمعة روسيا، خاصة أن السيطرة على الصيحات في ملعب أصعب منها على أعمال عنف في الشارع. وهناك الإرهاب الذي بات تحدياً مطروحاً بالنسبة لكل الأحداث الرياضية العالمية الكبيرة. غير أنه ثبت خلال أولمبياد لندن 2012 وسوتشي 2014، وكذلك بطولة أوروبا 2016، أنه بالإمكان تأمين مثل هذا النوع من الأحداث الرياضية. وخلاصة القول هي أن مونديال 2018 يفترض أن كون واجهة لروسيا بوتين، لهذا ينبغي إدارة «الأخطار» بشكل ناجح وفعال.