في بضعة أيام قليلة مضت، تمت انتخابات الرئاسة في «زيمبابوى»، والتي أعادت جزب «زابو» للرئاسة (إيميرسون منانجا جوا) – وله أغلبية برلمانية أصلاً، كما تفجرت مشكلة الأرض، وملكية المستوطنين البيض لها في جنوب أفريقيا، بسبب تصريحات جديدة لتوجه «سيريل رامافوزا» الجديد للإصلاح الاقتصادي عبر الاستيلاء على بعض الأراضي، وفق الدستور من دون تعويض، بما يهدد باضطراب كبير في البلاد.
لابد هنا أن نبدى أكبر اهتمام بتطورات هذه المنطقة، التعدينية البترولية الزراعية، لأن استقرارها أو اضطرابها ينعكس في صور كبيرة وخطيرة على التوازن الدولي، وعلى «الشرق الأوسط» نفسه، منافسين أو متعاونين، خاصة إذا برزت جنوب أفريقيا وزيمبابوي في تحالف يدير دفة منظمة «سادك» الإقليمية، التي تشبه إلى حد ما «مجلس التعاون الخليجي» داخل الجامعة العربية.
ومن دون الدخول في تفاصيل كثيرة، فإن زيمبابوي قدمت أسباباً للتحليلات الجديدة في المنطقة، فها هو حزب «موجابي»، يحقق انتصارات حتى في غيابه بهزيمة حزب منافس منذ التسعينيات هو «الحركة الديمقراطية للتغيير»، وإن كان انتصار «منانجاجوا» بنسبة 50.8% مقابل 44.3% للمنافس «شاميزا»، كما أن أغلبية «الزانو» في البرلمان تتفوق بـ 58 مقعداً، فمعنى ذلك أنها لم تكن مشكلة «موجابي» مع الغرب، وإنما كانت ضيقاً من سياسة «موجابي» الاقتصادية التي حجبت الأرض تدريجياً عن المستوطنين بتطبيق سياسة الاستيلاء على الأرض من دون تعويض وفق اتفاق«لانكستر هاوس» مع بريطانيا نفسها أول الثمانينيات، وتساهل «موجابي» معهم لمدة طويلة حتى اضطر للضغط إزاء انحياز بريطانيا وسوق الاتحاد الأوروبي ضده، فكانت الحملات الكاسحة لتدميره، وهو لم يساعد نفسه كثيراً...والحقيقة أيضاً أن جنوب أفريقيا ساندته، كما ساندت الرئيس الجديد ضد معارضيه.
المفاجأة هذا الأسبوع أيضاً أن يعلن الرئيس «رامافوزا» في جنوب أفريقيا، أنه يجب الالتزام بالدستور، في استعادة بعض الأراضي من دون تعويض وفق استغلال التحول السياسي أول التسعينيات، والذي لم يلتزم به المستوطنون، وصمموا على استمرار سياسة حرية بيع وشراء الأراضي مع الأفارقة، وليس نقل بعض الأراضي للأفارقة من دون تعويض.
وكان الضغط من قبل المعارضة لشباب حزب «التحرر الاقتصادي» التي أحرجت حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي». ولأن «رامافوزا» هو عراب اتفاق «الاستقلال والتحول» بشروط أوروبية معروفة، كما أنه عراب تهدئة «موجابي» من الضغط بمسألة الأرض على جماهير جنوب أفريقيا لفترة طويلة...ما جعل البعض يتحدث في صحف الجنوب هذه الفترة أن «رامافوزا» قد يعرض جنوب أفريقيا للفوضى التي قام بها «موجابي» في مسألة الأرض، وجعل بعض المستوطنين البيض يلوح بحرب عنصرية محتملة، لأنهم يملكون أرض (الخوى والسان) – القبائل الأصلية منذ 300 عام..!) والمثال العكسي في زيمبابوي يجعل 9%من السكان البيض يملكون حتى الآن 72% من الأراضي الخاصة.
 يمكن أن يظن البعض أن المنطقة مقبلة على حالة من عدم الاستقرار، نتيجة السياسات الاقتصادية..الخ، ولكن الواقع يقول، إن المنطقة مقبلة أكثر على الاستقرار إزاء العلاقات المتطورة مع الدول الرأسمالية الكبرى في مواجهة الدور الصيني على الأقل، وأن الرئيس «رامافوزا» قادر على السيطرة، لأن طموحاته إقليمية وقوية عبر منظمة «سادك» التي تضم 15 دولة من أغنى الدول من أنجولا حتى الكونغو الديمقراطية...
وباستقرار «السادك» والسيطرة الجنوبية، تبقى على خريطة القارة منظمة قوية تحاول استيعاب آثار التطورات في إثيوبيا ومصر بل ونيجيريا..خاصة مع تطور سياسات اقتصادية معينة بالمنطقة، كالاتفاق التجاري 2012 لإلغاء الحواجز الجمركية في هذه المنطقة الكبيرة..وآخرها إعلان الرئيس الجديد في زيمبابوي اتجاهه لسرعة الاتفاق مع البنك والصندوق الدوليين، واحتمالات التهدئة مع المستوطنين والمعارضة في جنوب أفريقيا.
إذن أصبحت السياسات الموالية للسوق الغربي الدولي، والترضيات الداخلية المحدودة في الاقتصاد الاجتماعي هي أساس من أسس السياسات الإقليمية تمهيداً للسيطرة من هذه الجهة أو تلك، على نحو اتجاه دول الجنوب الأفريقي للسير حثيثاً في هذا الاتجاه.