عندما يغادر الطير سربه، يبدو الفضاء بلا أجنحة، وتفقد الشمس ظلها، ولا الأشجار تحن إلى التغريد، فتميل الأغصان مكلومة. هكذا عندما يعتزل الفنان، ويتوارى خلف يأسه، وقنوطه، وفراغ لسانه من لحن الكلمات، وانفضاض السيناريو، إلى غايات بلا رجعة، لأن صاحبه أعلن الوقوف عند الناصية بعيداً عن المشهد، خارجاً من النص إلى اللانص، مكتفياً بالصمت، والصمت أحياناً لا يكون أبلغ من الكلام. سميرة أحمد، فنانة إماراتية، التزمت الصمت بعد نهار طويل من إعلامنا كانت في الفن طائراً يلتزم الطيران بأجنحة الوقار الفني، كانت في الوجدان الإماراتي كما كانت في قلب الفن، أعطت بوفاء، وتفانت بولاء، وقدمت فناً جميلاً إلى جانب رفاق لها، أبرزهم الفنان الجميل أحمد الجسمي، واليوم تبتعد سميرة أحمد، وتجلس خلف الشاشة، وقد تشاهد أعمالها الفنية السابقة وتتذكر، وتستعيد الأيام المضاءة بالتفاؤل، ولكن الصمت لا يعيد المياه المتسربة بين الأصابع، الصمت لا يجعل السماء تمطر، ولا النهر يروي الحقول، لا بد من بوح يحرك شفاه الحقيقة ويمنح الفن أجنحته التي قصقصها الإهمال والنسيان من الجهات التي لها علاقة بنشأة الفن ورعايته والعناية به. فالفن المجرى المائي للحياة، وبدونه لا تنمو الأشجار، ولا يخضر العشب، ولا يهدل الحمام، ويغيب الحب. نحن بحاجة إلى الفن، كحاجتنا للحب، نحتاجهما لتبرز أشعة الشمس في صدورنا، ويبزق القمر. واعتقد أن وزارة الثقافة، ومؤسساتنا الإعلامية وعلى رأسها المحطات التلفزيونية قادرة أن تعيد المياه إلى مجاريها، وأن تحرك عجلة العربة كي تبلغ قمة الكثيب، وقادرة أن تقول لسميرة أحمد، لا تغادري النهر، فالعذوبة لا زالت تكمن هنا، على شاشاتنا الموقرة، وهذا مكانك يا سيدة الشاشة، وبريقها الملون بالفن الرفيع، وصوتها المسكون بالحياة. نحن نثق بمؤسساتنا، ووعي الناس الذين يديرونها، والأمل كبير بهؤلاء، وبوعيهم بأهمية الفن، ومكانته في عقول الشعوب المتحضرة، لأننا بالفن نرقى وبالفن تزهو الحضارة بألوان الشفافية، وأناقة الخطاب ولباقة الحوار مع الآخر. بالفن، نعبر الحياة ونحن منغمسين في حب الآخر، كما هو حب أنفسنا، والاشتياق إلى البناء الروحي كشوق الطير إلى ندى الصباحات المشرقة، وبالفن تبدو الحياة فراشة تتعطر ببوح عشاق الكلمة، وترفرف بأجنحة الفرح.