الضحية.. والجلاد الذي هو في الأساس ضحية. لا يمكن أن ترصد أي حالة عنف وإرهاب إلا وهذه المتتالية حاضرة وبقوة في تحليل الحالة الماثلة أمامك: عنف وعنف مضاد وعنف في الرد على العنف.. وهكذا دواليك. خلال تلك العمليات المتتابعة لأي مراقب جاد ومتمكن من تأريخ الحالة، لن يجد أي اختلاف سوى في درجة العنف وشكل العنف المستخدم، الذي يعتمد على إمكانات وقدرات الفاعل المادية العسكرية والاقتصادية وحتى الثقافية، ومدى تعاطي الإعلام معه، أو بالأساس مدى ارتباط مصالحه مع الفاعل. ‏إذا.. الجميع ينتقم، كل بحسب ما يملك من أدوات قوة، عسكرية أو اقتصادية أو ثقافية أو حتى اجتماعية، ‏ولأنه تعرض لشكل من العنف في وقت سابق، سيرد على ذلك في وقت لاحق، ولكن بشكل مختلف لا يشترط فيه أن يكون بنفس مادة القوة التي استخدمت ضده، كما أنه بالتأكيد لن تكون بذات قوة العنف الذي وصله، وبالتالي فالتداعيات بالضرورة ستكون مختلفة.‏ وهي تداعيات تحدث حالة سوء تدفع الإنسان للتواجد في دائرة ما يسمى بالعنف البنيوي، وهو يختلف عن العنف الجسدي المباشر الذي يخلف الندوب الخارجية. في العنف البنيوي يتعرض الإنسان لحالات من التوتر والقلق الوجودي والشعور بالاغتراب والكبت، مما يخل بتوازنه، ومع الوقت يصبح الأمر يفوق القدرة على التحمل، فتكون النتيجة إفراغ هذا الشعور عبر تصديره للغير، ليتمكن من استعادة توازنه النفسي. ولكن ما يحدث في المقابل أن من سيتلقى هذا العنف سيواجه حالة من اختلال التوازن النفسي، وسيصل لدرجة من عدم التحمل لدرجة ستدفعه كذلك لتصدير العنف.. وهكذا من جديد تستمر الدوامة في الدوران بين الضحية والجلاد الذي كان في فترة سابقة ضحية، فتزداد سرعة دوران الدوامة لتجذب إليها أعدادا أكبر من الضحايا والجلادين الضحايا! نعيش في عالم ‏نتلقى فيه الكثير من السوء طوال الوقت.. هذه حقيقة. ولكن التحدي الذي يجب أن نواجهه هو أن لا نجعل أنفسنا مستباحين لكل هذا القدر من الدراما التي نتلقاها سواء من المحيط أو الإعلام، لعل الحل يكمن في عدم الانغماس في حالة اعتبارنا ضحايا وعدم اعتبار الآخرين أشرارا على الدوام.. فهل من سبيل إلى ذلك؟!