هناك مدن تسكن قاع الذاكرة، لا أعرف من أين تسللت له؟ هل هي حكايات المساء، وسرد الجدات، أم قراءات التاريخ والولع به، أم ثمة شيء جيني يربطك بالمكان منحدراً عبر هجرات طويلة لا تعرف عنها. من بين تلك المدن التاريخية التي تسلطت على أحلام الطفولة، وتسربت لذاكرتها الصلصالية، سمرقند وبخارى وطشقند وفرغانه، كان يمكن أن لا ترتاح إلا إذا تكحلت عيناك برؤيتها، ساعتها سيتوقف الحلم، وستقودك الدهشة الطفولية تلك التي ما لبثت تبحث عن أحلام باقية، وأخرى متبقية، وهنا لن أغوص في معاني تلك المدن، فلها وقتها، إنما سأسجل كعابر سبيل لها، ملاحظات جاءت عفو الخاطر عن مدن أوزبكستان: - أعمدة الضغط العالي تحتلها طيور اللقلق بأعشاشها الكبيرة، وكأنها محطات استراحة للطيور المهاجرة، الغريب أن بعض الأعمدة عليه عِش واحد، بعضها ثلاثة أعشاش أو عشان، ربما أن بعض اللقالق لا يكتفي بواحدة. - في محطات البترول على الركاب أن ينزلوا، ويترجلوا من السيارة واحداً، واحداً، ويبقى فقط السائق ليعمر سيارته بالبنزين، ومن ثم يلتقي بالركاب في آخر المحطة. - نصف سكان طشقند إما فنانون أو رجال شرطة، في الأزمان السابقة كانت الغلبة للشرطة، أما اليوم فهي للفن والحياة. - ما يبهر في طشقند كثرة الحدائق العامة، وترتيبها وتنسيقها، هي مدينة الحدائق بلا منازع، وهي مدينة الفن والرسم، ثمة شاعرية تلف هذه المدينة الخضراء. - إن كنت ستخرج دونما أي إزعاج من قبل شرطة الحدود، خاصة البريّة، لا تنس أن تأخذ ورقة، مختومة من أي فندق تسكنه في أوزبكستان، وإلا عليك أن تسلك حالك، وشرطة الحدود، وخاصة البريّة يفرحون بهذا أيما فرح. - في الطرق العامة في أي بلد إن رأيت سيارات الشرطة مختبئة تحت الأشجار، وفجأة يظهر أمامك شرطي وعداد السرعة في يده، فاعرف أنه لا يريد مخالفتك، عذره هو، ومن معه، أنهم في آخر أيام الشهر، فمشيته المتهاونة، والأكتاف المتهدل أحدها بتخاذل، لا توحي إلا أنه مرتش وفِي وضح النهار. - الأكلة الشعبية «أوش بلوف» أكلة تاريخية في طاجيكستان وأوزبكستان، هي تشبه الرز البخاري أو المجبوس، لكن بعضها يضعون عليه من شحم الليّة، ومن لحم الخيل، وفِي طشقند شاهدتهم يعملون مراجل كبيرة، أكبر من مراجل الأعراس، بحيث يطبخون يومياً أكثر من أربعة أطنان رز. - في أوزبكستان فلوسهم بالملايين، وعليك أن تحمل شنطة يد مثل المعلمين المعارين في أول إجازتهم الصيفية، لتضع فيها ربط فلوسهم التي تسمى «سوم»، حيث بإمكانك أن تصبح مليونيراً خلال إقامتك في أوزبكستان، لكنك مليونير بصفة عتّال. - وغداً.. نكمل