في مدينة مونترو الشارع المطل على بحيرة جيفينو، يرفرف بالوشاح العربي، وهناك يتناثر البخور، والكلام المنعم بلغة الضاد. تسير على الرصيف المزخرف بالورد، وكأنك تمشي على شارع القرم، فلا شيء يعرقلك عن رائحة الإمارات، والوجوه التي تصادفها هي نفس الوجوه، هي نفس السحنات السمحة، تهديك السلام من طرف خفي، وتمنحك الراحة، وتسعدك كلما خطوت باتجاه الذاكرة التي أودعتها مخزن التاريخ، فبدت مثل رمال الصحراء، تلهمك الانتماء وأنت تستقرئ الوجوه، وتتهجى الملامح مثلما يفعل طفل في السنة الأولى الدراسية، يقرأ بعناية، ويتحرى التفاصيل في اللغة. هناك في مونترو، تجد الإنسان الإماراتي، متأبطاً نخوة البلاد العريقة، وتاريخها المديد، وسجايا أهلها الطيبين، وأخلاق الأولين، هؤلاء الناس، تجدهم هناك، يلفهم الصمت، وهدوء البال وتطوي لغتهم همسات الحياء الجميل، وعلى الفور، توقن أن هؤلاء هم عيال زايد، وتقرأ في الوجوه علامات الكبرياء والشرف الرفيع، فتنتعش أساريرك، طرباً لهذا العزف الخالد لأخلاق من طوقتهم الإمارات بكل هذه القيم، وشيم الناس النجباء، والنسل النبيل. بين الخطوة والأخرى تسمع حفيف كلمات، تتسرب إلى مسامعك، كأنها النسمات الباردة ولا تظن إلا أنها لهجة إماراتية، بحتة، بكل ما تتسم به من رهافة، وذائقة صوتية ميزها الله على باقي الخلق، وليس هذا كبر، وإنما إكبار، لإنسان جلله الله بهالة العظمة، وكلله بإحسان الوجود، فصار بين الأمم نجماً، تحيطه الكواكب بضوء الوقار، وحسن الجوار. مونترو تحتفل بالوشاح العربي، وتبخره من عطر الغابات المنثورة في أرجاء سويسرا وتخضب الأيادي بعذوبة الماء السماوي، وتلون الوجوه من نسغ الغيمة المظللة، للأرض والبحر، وأجنحة الطير. في هذه المدينة كل التفاصيل تشير إلى وجه عربي، يتفوقه لجين قادم من أرض التسامح، والمحبة، والسعادة، جاء إلى مونترو كي يرسم صورة الثلج على صفحات وجنات ملأى بخيوط الشمس، ولم تزل تجدل خصلاتها على الخدود والقدود، وهنا مكمن أسئلة الماء والشجر، وبوح البرودة والمطر، ولسان حال الطير يقول يا لها من مقابلة نجيبة، عندما تلتقي الصحراء، بكل ما تحمله من أخفاق النقاء، مع عبقرية الطبيعة في هذا البلد المحاذي لأفئدة العشاق، ومن في أرواحهم كلف الشوق لكل ما هو جميل، وأصيل، ومكتمل النضوج. في مونترو تهجع الإبل، والسبل، وتنيخ الركاب أشواقها، وتمضي إلى سفرها باتجاه مناطق الاسترخاء، وبحثاً عن مضارب السكينة.