أُقبّلُ وجه هذا العيد. ضاجاً بالفرح الذي يتلوهُ على جوانحي. كأن في لبّ معناه اكتمال دائرتي وصواب خطاي. كنتُ طفلاً في سؤال المسافة، والبحرُ هندامي في ساعة الرحيل، والسماءُ تلويحةُ جناح. وكان الصبرُ مفتاحاً في جيبي المثقوب، أمشي متأرجحاً بين النقيضين لا هذا دواءٌ، ولا ذاك حصان حرّيتي. كلاهما نصف معنى، وليس سوى العيد يعيدني غُرّاً راقصاً متقافزاً في ميزان بهجته المشتهاة. خذ قلماً قال لي، ولوّح لعصفورة الكلام كأنك من بعيدٍ في قفص. خذ انتباهك وادلقهُ في ضحكات أطفال سيدورون من حولك نسمة نسمة. أنت الآن سليلُ قصدك. وذكرياتك أمهاتٌ يذهبن إلى عرسٍ لا ينتهي مزماره ولا تفارقه الزغاريد. والذي بالأمسِ كان كُنهاً يُقلقُ منامك الآسن، ستراه اليوم فتحاً للدروب الجديدة، وعليك أن تمتطيها حصاناً حصاناً، ونهراً بعد نهر. وعليك أن تذرف الابتسامة في مكامن العتمة وسترى أنها تضيء فجرك، وتوقظُ من أدمنوا محبتك في السر. يا زارع العيد في الخطوة والدفاتر، يا قائم مقام الورد وقد قلّدناه تاجاً على رؤوس الذاهبين الى الأمل. لا تقلب صفحة العيد. دحرج النقطة خارجها، قل لكلمة النهاية: ابدئي. الروحُ ظمأى لقطرة ناي، وأنت في فمك ماء اللحن كله. كلما قبّلت رأس طفلٍ، غنى لك العيدُ وأثمر. وكلما كساك نسيانك بالدمع، عطّلت سيرته، وكتبت بحبر الضوء وعدك الغامق بأن الغد سيكون أجمل من ظله. واليوم، ها هي فسحة العيد خضراء تأتي، فطب بها. أغسل الغمامة في سرّ مجراها ودعها تغادر. أكسر الغصن اليابس إنه عكّاز سعيك بين أشجار التيه. أو ربما هو سيفك تكشُّ به لحظة السأم حين تعاندك الرتابة، ويهتكُ تكرارها بجديد ما فيك. العيدُ كنزك الزمني، العيدُ وشمُ فراشتين على صدرك المفضوح في الريح العاجزة. سألوّح لظلالي كلها أن تتبع مجراه، حتى لو غابت الشمس عنها. سأصرخ: ضعني نجمة في حضن هلالك. هكذا سأظل مسترسلاً في تهويل ما يظنه الناسُ خدراً على جري السليقة، لا أنام إذا ناموا، ولا يختفي صوتي إذا قطعوا لسان بُلبله في الصباح. وعيدي في الظاهر العلني مجرد تفتّح أمنية، لكنه في العمق خضٌ لحصّالة الآهات، وكسرٌ لما تراكم في جمعها. أهتف باسم الوضوح صمتاً دائماً، لكن أوراقي يبللها كحل الليالي، ويشقّها دائماً، غسقُ أعيادٍ مقبلة.