ها هي الحياة ملعبك الكبير. فانظر في أي مرمى عليك أن تسدد سهم حلمك. وبأي يدين ستصدّ الأفكار المريضة حين يقذفك الجهلة بتمائم الخوف. واعلم أنك مهزوم لا محالة حين تظل تدافع فقط عن صوابك. ولا صواب في الأصل إلا للمتغير والمتجاوز والجديد. أما إذا عشت تحرس ما ظننته الجوهر المحض، فلربما اكتشفت في نهاية العمر أن كنزك هذا من حجر، ولا يصلح حتى لإطعام ميت. وأما إذا تمرّس لسانك في الهجوم ضد الجبال، فقد ينالك بعضٌ من سُمّهِ، وقد تنسى أن اتزانك لا يتم إلا بالتعايش منفتحاً على رياح الجهات كلها. ساعة للهجوم حين تؤمن أن فحواه الظفر، وأخرى للدفاع حين توقن أن الريح جنّ جنونها، وساعة ثالثة بينهما للوسط. حين تأخذ شيئاً من بعض هذا، وشيئاً من قليل ذاك، وتصنع منهما حصن عافيتك وظلال أمانيك. وفي ملعب الحياة، عليك أن تقف أحياناً لتعرف مجرى اندفاعك. وأن تركض بأقصى ما تتيحه عروقك، كي لا تسبقك النهاية وأنت في أول الطريق. وعليك أن تتأمل قبل أن تأمل. وإذا كبوت مرة، فاعلم أنك في الطريق الصحيح. وإذا كبوت مرتين، فأنت تشرب من بئر التجارب ما يعينك على الوقوف مرة أخرى. وليس مهماً أن تصل، بل المهم أن تظل تسعى في دحر يأسك، حتى لو أفنيت في هذا العمل كله. ها هم الناس في لهثٍ وراء كرة السراب. وأنت عطشانٌ مثلهم، لكن رويك في داخل ذاتك. عندما في لحظة فارقة، تدرك أن الوجود زوالٌ كله، وما يظل خالداً هو الوعي الذي تجنيه حين تسقط، وتعود تنهض من جديد. وحين تفلق رأس الظلام بالنور الذي في قلبك لتنير الطريق إلى الكائنات من خلفك. واعلم أن الوعي يُولد كبيراً في بطن روحك، لكنه يصغر بعد ذلك حين تركن للعتمة وتستأنس لليأس، وترى في مجالسة النادمين مأواك. وأن تكون واعياً، يعني أنك أدركت لعبة الحياة، وعرفت أن كل ما تجنيه هو صنيع ظنك ونواياك. لذلك عليك أن تبدأ من أعماق جوهرك المحض. أن تمدّ يدك في أحشاء معناك وتُخرج ما رمته الأيام من طحالب وبقايا من ركامٍ ورماد. وساعتئذ تصير سيّد ذاتك. تركل كرة المصير أينما تشاء وتشقّ شباكها في كل مرة.