أعرف أن هناك الكثير من المتابعين طرحوا تساؤلاً مشابهاً عن ما تقدمه الكرة البلجيكية.. وهل تفوقها بمثابة طفرة عابرة، أم خطة راسخة وثقافة جديدة في عالم الكرة! بدايةً دعونا نتحقق من معلومات أساسية، تعداد سكان المملكة البلجيكية لا يتجاوز 11 مليون نسمة.. وعلى مستوى كرة القدم، فالدوري المحلي عندهم يبدو كئيباً ومملاً، ولا يملك شعبية في بلجيكا نفسها.. عدد الأندية هناك لا يتجاوز 34 نادياً ويتبارون في مسابقات الكبار على درجتين فقط! ولكن ما الذي حول هذه التركيبة البسيطة إلى نموذج ناجح؟!.. ليتفوقوا على منتخبات عملاقة، فالإنجليز لوحدهم يملكون 92 نادياً ونفس الأمر قد تجده في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وغيرها، ولكن لماذا وصلت بلجيكا إلى المركز الأول في التصنيف العالمي عام 2015 بعد أن كانت في المركز الـ71 في 2007، وما سر هذه القفزة الهائلة؟.. وهل جمع الاتحاد البلجيكي منتخباً جاهزاً من المهاجرين والمرتزقة والمجنسين والباحثين عن أي بلد يمثلونه! الإجابة: لا، بلجيكا قامت بعمل آخر.. جلبت مدرباً عجوزاً اسمه مايكل سابلون، وطلبت منه تطوير كرتها، بعد الفشل الذي عانت منه سنين متتالية، ذهب هذا الرجل إلى الدول المتفوقة ليستكشف، فهو لا يريد أن يبدأ من الصفر، وكتبت مسودته التاريخية عام 2006.. وبدأ بتحويل الأكاديميات إلى أجهزة تتبع الاتحاد.. وفرض على المدربين طريقة لعب واحدة تتمثل في 4 -4 -2 أو 4 - 4 -3، وكي يجعل الكرة في المراحل السنية للتعلم والتطور منع الفوز والخسارة وجمع النقاط في المباريات، وهو ما لاقى معارضة شديدة، ولكنه تمكن من فرض ما يريد. قام بعدها بتصوير 1500 مباراة من مسابقات المراحل السنية، بالتعاون مع جامعة محلية، ودرس عدد لمسات الكرات لكل لاعب، والمهارات المفقودة والوقت الذي يقضيه الناشئ مع الكرة، وخرج منها بعدة توصيات، ومنها تحويل دوريات المراحل السنية إلى «ملاعب ميني فوتبول»، والتي تستوعب خمسة لاعبين من كل فريق، وتتوسع إلى سبعة لاعبين في المرحلة التي تليها إلى أن تصل إلى العدد الطبيعي! كل شيء في المراحل السنية عندهم كان موثقاً ومدوناً ومكتوباً، ومن قبل متخصصين وأكاديميين وكل ملاحظة كانت تمثل بالنسبة لهم «هماً» يشغل بالهم إلى أن يجدوا لها حلاً! هذه الخطة موجودة ومكتوبة في كتيب خاص عند الاتحاد البلجيكي، والملهم مايكل سابلون الذي يبلغ من العمر 71 عاماً، ودع الاتحاد البلجيكي، وذهب إلى سنغافورة ليعيد صناعة كرة القدم هناك.. ألا يكفي ما فعله المنتخب الأحمر بالبرازيل! كلمة أخيرة دعونا من تجربة العبقري البلجيكي.. هل انتهينا من لائحة سقف الرواتب وقصات الشعر أم بعد!