كان من الطبيعي بعد خسارة البرازيل أمام بلجيكا في الدور ربع النهائي للمونديال، أن يتم تداول صورة لاعبي منتخب البرازيل الذين حققوا آخر لقب للبرازيل عام 2002، رونالدو وريفالدو ورونالدينو وروبرتو كارلوس وبقية الرفاق، لم يكونوا منتخب النجم الواحد، ولكنهم كانوا تشكيلة من العمالقة الذين نحتاج سنوات طويلة قبل أن يظهر لاعب واحد بقيمتهم ناهيك عن وجودهم في فريق واحد. بعد خروج الأرجنتين تم تداول صور مارادونا وباتيستوتا وكانيجيا وغيرهم، وبعد خروج كولومبيا والأورجواي وكل منتخبات أميركا الجنوبية، نفس المشاعر المكتظة بالحزن العميق على ما آل إليه حال كرة القدم في قارة الفن والمتعة الكروية، أولئك الذين جعلونا ندمن كرة القدم، والذين صالوا وجالوا في المونديال، هم الذين علمونا المعنى الحقيقي لمصطلح «السحر الحلال»، تراجعت كرة القدم اللاتينية وأصبحت أوروبا هي القارة الحاكمة، ولا تبدو هناك بوادر تغيير في أفق السنوات القادمة. تراجعت كرة القدم في أميركا الجنوبية وهي التي كانت تناصب نظيرتها الأوروبية سيادة العالم كروياً، كانت تقف الند بالند، فقد كانت الموهبة التي تنتشر بغزارة في بلدانها كفيلة بإدراك الفارق، تطور الأوروبيون كثيراً، طوروا من الأكاديميات وطرق صناعة النجوم، ضخوا الكثير من الأموال في المسابقات المحلية، تحولت اللعبة إلى مال واقتصاد، أدخلوا كرة القدم إلى المعاهد والجامعات، باتت هناك مناهج للتكتيك والانضباط واللعب الجماعي، فتسيدوا اللعبة بلا منازع. من كان يصدق أن تقام كأس العالم في أميركا الجنوبية، ليس هذا وحسب ولكن في أكثر بلدانها عشقاً وهياماً لكرة القدم، في الدولة التي حققت الرقم القياسي بالتتويج بخمس مرات، ليأتي منتخب أوروبي وينتزع الكأس من العرين البرازيلي، حدث هذا للمرة الأولى تاريخياً قبل 4 سنوات، وفعلها المنتخب الألماني، ليزيد من معاناة اللاتينيين، ليبكوا على ماضيهم الحافل وحاضرهم الحزين. الكرة تتكلم أوروبياً، ولا يمكن مقارنة التطور الذي طال كرة القدم الأوروبية، بالعشوائية والفوضى التي تدار بها اللعبة في أميركا الجنوبية، واليوم اتسعت الفوارق بشكل كبير، وإذا لم تكن هناك وقفة حقيقية لتدارك هذه الفروقات، سيكون من المستحيل في المستقبل اللحاق بالأوروبيين، وها هي كأس العالم ستظل في القارة العجوز للمرة الرابعة على التوالي، فقد استفادت من أخطاء الماضي ودشنت العمل الجاد حتى تسيدت الحاضر، ولا يبدو أن كأس العالم ستغادرها حتى تصحو أميركا الجنوبية من سباتها أو حتى إشعار آخر.