كأس العالم دارت رحاها واحتارت، تنقلت في فضاء الترشيحات، ولكنها في النهاية اختارت أن تذهب إلى مدينة الجن والملائكة، إلى عاصمة النور، وأفخر أنواع العطور، إلى باريس، حيث برج إيفل ومتحف اللوفر، وقصر فرساي، إلى بلد الفن الجميل، وفي عيد يوليو وذكرى سقوط الباستيل، كرة القدم، جمهورية متجددة، وعواصمها عدة، والدور هذه المرة على فرنسا، بلد الموضة والأزياء والجمال، والديوك الفرنسية هم أبطال المونديال. كأس العالم وشهر من المتعة والترفيه، أعظم نجوم العالم كانوا هناك في موسكو وسوشي وسانت بيترسبيرج وكازان وغيرها من المدن التي أجادت الترحيب بضيوف كرة القدم، وقدمت نفسها للعالم بأجمل صورة، وقدم أحفاد القياصرة نسخة مميزة للمونديال، في ملاعب تخلب الألباب وتسلب الأنظار، قدم الروس نسخة غير قابلة للتكرار. ومضت كأس العالم بعد أن حلت في ضيافة الدنيا لأكثر من شهر من الزمان، كلهم كانوا هنا وكان الحدث أكبر من لعبة شعبية أولى احتار الناس في معرفة أسرارها، وتحديد عناصر إبهارها، حتى أولئك الذين لا يعرفون قوانينها عاشوا فيها، وانغمسوا في أخبارها، وتابعوا تفاصيلها والأنباء، كلهم بلا استثناء، الفنانون والمثقفون والسياسيون، حتى الرؤساء، تركوا أعمال دولهم وسافروا إلى روسيا لمؤازرة فرقهم، ففي الحياة هناك أشياء مهمة، ولكن كرة القدم في كل الأحوال، خصوصاً في المونديال، هي الشيء الأهم. مضت كأس العالم وتبقت الذكريات، وتبقت الصور، تحكي للأجيال القادمة تفاصيل نسخة لا تشبه غيرها من النسخ، كل ما فيها مختلف، حتى النهائي كان مختلفاً، وعندما تساقط الكبار على مسرح الرعب الروسي، وعندما ودعت ألمانيا من الدور الأول، وسقطت الأرجنتين ونجمها ميسي في فخ الديوك، والبرازيل التي لم تذهب بعيداً، أما أجمل الذكريات، فكانت من نصيب الكروات، والفرحة الكبرى لا تكون سوى للأبطال، والذين توشحوا بالتاج وكان من نصيبهم الكأس، أولئك هم الديوك، لا بل هم الملوك. غادر المنتخب الروسي أجواء المونديال من الدور ربع النهائي، ولكن ظلت روسيا حاضرة، كانت بطلاً غير متوج، بتنظيم استثنائي، وكأس عالم لم يعكر صفوها شيء، فقد تكاتفت أطياف المجتمع الروسي من أجل الوصول بالبطولة إلى بر الأمان، حضرت الجماهير من مختلف بقاع العالم، حضروا من شتى البلدان، رسموا الصورة الحقيقية لكرة القدم التي تصلح ما تفسده كل ماديات الحياة، هناك تلاقت الشعوب والحضارات، وبعد شهر مثير، توقفت كرة القدم وانفض سامر الجماهير، موعدنا بعد 4 سنوات، فكل مونديال وأنتم بخير.