في فترة زمنية قصيرة، ظهرت في الإمارات، بعد الثمانينيات، أقلام كثيرة، معظمها من الشباب المهتم والمحب للتراث والحكاية الشعبية، وقام بتسجيل الكثير من أحاديث القدامى من أبناء الإمارات بأمانة الصحفي والباحث عن الأخبار، وحكايات القدامى من سكان المدن والصحارى والقرى والجبال والبحر. كان الهمّ في البدء إيجاد مادة مهمة وتزويد الناس بما حدث من أخبار وحكايات ينقلها الكاتب إلى المتلقي، للمعرفة والموعظة. وفي الوقت نفسه، تقديم مادة مهمة للصحيفة التي يعمل بها ذلك المحب للقديم والسعي إلى تسجيله وتوثيقه، تماماً كما فعل الصديق والكاتب عبدالله عبدالرحمن والذي سجل مادة مهمة من أفواه القدامى من أبناء هذا الوطن. وقتها كان البحث في الموروث والتراث وظهور الراوي المهتم يكاد يكون معدوماً، لأن الأمر لم يتضح بالبروز الإعلامي الذي حضر فيما بعد، والذي جعل الكثير يقدم نفسه راوياً أو كاتباً تراثياً وتاريخياً، بل إن بعض الشباب الذي توجد مسافة بينه وبين البيئة القديمة والتاريخية، دخل مجال الكتابة عن التراث، وبعض الجدد الذين استهوتهم أن تحمل الكاميرا أدلة التسجيل ليقدم أي مادة ومن أي شخص كان، لدرجة أن أسماء حضرت لم تعرف المدينة ولا القرية ولا السيوح ولا الجبال ولا البحر، حضر عند هؤلاء بائع الحلول والزعتر والأقمشة في الأسواق والعرصات (العرصة)، ولكن بما أن الاثنين، الكاتب والقديم الذي ليس قديماً غير في السوق، أخذ يتحدث عن الصحراء والبحر والتاريخ والتراث!! وحده الذي أطلق شرارة البدء في التوثيق وتسجيل ما نطق به الرواة القدامى كان على الطريق الصواب، ثم حضر فيما بعد شباب أعدوا أنفسهم وخصصوها للبحث والتدقيق والمتابعة، بالإضافة إلى نفر قليل من الإخوة العرب الذين لهم اهتمام بالتراث والبحث حوله منذ أن كانوا يعملون في بلدانهم ومدنهم، وكانت اهتماماتهم في الجانب الروائي والبحثي التراثي والتاريخي استكمال لمشروعهم الثقافي، وقد قدموا مواد مهمة وأبحاثاً تراثية وتاريخية في غاية الأهمية، جاءت كذلك لأنهم في الأصل عشاق للتراث والبحث التاريخي والاجتماعي، وخير من يمثل هذه الصورة الإيجابية للإخوة العرب الباحثين في مجال التراث الأديب والباحث الجزائري عياش يحياوي، لقد أفاد الإمارات بما قدمه من أبحاث وأوراق تراثية مهمة، بالإضافة إلى إخوة عرب آخرين. ولكن كثيراً ما يتطلب الأمر مراجعة كل راوٍ والبحث فيما يقدمه من حكايات وقصص وأحاديث، حيث إن بعض الرواة من القدامى قد تضعف لديهم الذاكرة أو تختلط عليهم الحكايات والأحداث، والبعض تظهر لديهم الجوانب الذاتية والقبلية والعشائرية بحيث يمجد هذا ويعيب ذاك، والكثير منهم تتحكم فيه المناطقية، فهو متعصب إلى منطقته وأهلها وناسها القدامى، وعليهم يبني كل شيء جميل ويهمل الآخرين، والأمانة تتطلب المراجعة والتدقيق ثم يأتي التوثيق، فرصة في المؤتمر الذي يبدأ بعد أيام أن يقف على هذا الأمر.