في عيدنا أيام زمان كان يمكن أن تطرق أبواب مدينة العين باباً.. باباً، فالناس أهليّة ومتداخلون، والكل يعرف الكل، كانت المدينة في عيدها تتزين بالبياض، والسكيك والحارات تنبض بالحياة، ودبيب الناس، والصغار هم بهجة العيد، البنات يتفيأن ظلال جدران البيوت ليمارسن ألعابهن البسيطة، مثل لعبة «الصَقّلة أو اللقفة أو صاقف لاقف»، ولعبة «خوصة بوصة» أو يصنعن عرائس وملابس من بقايا أقمشة، كانت تسمى «الحيا» أو يتقافزن وراء تلك الحجرة الصغيرة وبين الخطوط المرسومة على الأرض في لعبة «الكحّيف» أو يعتلين «الدرّفانة أو المريحانة» المعلقة في جذع شجرة أو منصوبة في ركن قصي من بيوت الطين، ويتمرجحن وهن ينشدن أناشيدهن العفوية التي انتقلت من صدور الجدات والأمهات إلى صدورهن، مثل «صفصوف الله لا حَلّك تأكل زرع الأيتام» أو «يا أمّي وَعّينِي غبشه، بسير ألقط خلاله، خلالة المسلي، بطَرّشها شمال، بِتّيني حقّة صفراء، مَلّيوصة بزعفران، الزعفران الشامي، على الخدود ألوان»، في حين يبعد الصبيان في ألعابهم عن جدران البيوت، حيث تكون الساحات مرتعاً لهم، بعضهم يمتطي جريد النخل كفرس متخيلة، وفي يده سيف مصنوع من سعف النخل، وهو يصيح: «خيّال الخيل، ما يبات الليل» أو يدربح «طواقاً» من الحديد أو يجر عربة مصنوعة من «كلن آيل» مفرّغ أو يجر كربة نخل، وعليها شداد من الليف، كمن يقود مطية، كانوا في غيهم ذاك يلعبون كرة «المسطاع» أو «عِظّيم لوّاح» أو «كرابي» أو «أبو الدِسّيَس» وغيرها من لعبات يختص بها الأولاد دون البنات مثل «الكورة أو التَبّة أو القَبّة».
غاية العيد الجميلة، تلك الزيارات التي كنا نتبع فيها الأهل، وهم يسلمون على بيوت العين بيتاً.. بيتاً، واستبشار العجائز بالصغار، وإعطاؤنا مما كن يصررن في طرف «وقايتهن أو شيلهن» من عملة معدنية أو شيء من الملبس أو «برميت أبوظبي»، وهن يودعننا «متحفيّات»، وداعيات لنا أن نبلغ مبلغ الرجال في حياتهن، وأن لا تنقطع من عادة.
 اليوم الكثير منا، نحن الذين كبرنا في غفلة من عمرنا، ونكاد أن نضيع عد السنين، حين يأتي العيد، نتذكر عجائز العين، ونكاد نعرف بيوتهن، ولون أبوابهن، وتلك الرائحة «الخنينة» التي ما زالت عالقة في الأنف، كشيء من رائحة الأولين الطيبين، ولا نملك غير تلك الدمعة الباردة التي ما أن نتذكر أيامهن، إلا وتخرّ عارفة طريقها.
كان العيد في تلك الأيام الخوالي فرحة مهداة، تزيد من المحبة، وتقرّب المودة، وتجعل من أيامه بركة متنقلة، حيث الإفطار والعشاء الجماعي لمدة ثلاثة أيام مع الجيران، كل يأتي بما تصنع أيادي النساء في تلك الوليمة الجماعية، حيث لا يقيم الأهالي خلال أيام العيد الثلاثة طعام الغداء كعادة اجتماعية، ربما لأنهم ومن خلال تزاورهم يتطاعمون من «فوالة» البيوت، وهذا يغني عن وجبة الغداء.. وغداً نكمل