كان لبطولة أوروبا للأمم بطل، لم يتسلل من أروقة التاريخ، ولم يأت من فقاعات الحدس والتخمين، ولكنه طلع جميلاً وساحراً من رحم البطولة، فقد كانت كرة القدم هذه المرة عادلة، وهي ترفع إيطاليا لسدة البطل مع مرتبة الشرف.
وكان لـ «اليورو» فارسه الأول، الذي نجح أكثر من غيره في تلوين الفضاء بجمل تكتيكية، أنتجت قصيداً يستعيد لكرة القدم بهاءها، وطبعاً لم يكن هناك من فارس في شهامة، ولا في جرأة وكاريزمية روبرتو مانشيني.
وقد توقعت في زاوية سابقة، ولم تكن البطولة قد دخلت منعرجها الأخير، أن تحكم إيطاليا «المتحورة» تكتيكياً قبضتها على اللقب الأوروبي، إلا أن ما أبدعته «سكوادرا دي أزورا» بأناقتها وجاذبيتها وكرتها المتوازنة، لا يمكن أن يخفي الوجه الجميل الذي ظهرت به إنجلترا، ولا يمكن أيضاً مع كل المديح الذي وجهناه لمانشيني أن ننكر على ساوثجيت تلك الثورة التي أحدثها داخل منتخب «الأسود الثلاثة»، ولو أن الخاتمة لم تكن أبداً بروعة وجلال المقدمات.
أبداً لم يحفز الكثيرين بيننا، العمل الكبير الذي أنجزه ساوثجيت منذ وصوله مغموراً ومثيراً للجدل للعارضة الفنية للمنتخب الإنجليزي، بل لم يستنفرهم نصف النهائي الذي بلغه بمونديال روسيا، ليضعوا منتخب إنجلترا بين المرشحين للمنافسة على اللقب، فقد تقدمت عليه في مؤشرات الترشيح منتخبات فرنسا، إيطاليا والبرتغال وألمانيا، إلا أنه كان لزاماً أن نتفاعل مع هذا التحول الكبير الذي طرأ على المنتخب الإنجليزي في أسلوب لعبه، بأن أصبح منتخباً يوازن بين منظومته الدفاعية ومنظومته الهجومية، لنقتنع بأن ساوثجيت ما جاء إلى «اليورو» إلا ليضرب موعداً مع التاريخ، وقد فعل ذلك، بأن كان أول مدرب يقود منتخبهم لنهائي بطولة كبرى، بعد 55 سنة من وصولهم إلى نهائي كأس العالم وتتويجهم باللقب.
بالطبع يلام ساوثجيت كثيراً على أنه فرط في لقب بطولة لعب 6 من أصل 7 مباريات لها بمحميته الأسطورية ويمبلي، ووقفت خلفه 60 ألف حنجرة في الدورين نصف النهائي والنهائي، وما فرط في اللقب، إلا لأنه ارتكب، وهو يلاقي منتخب إيطاليا في النهائي، خطأين معيبين، بل ومعيقين لأي طفرة في الأداء الجماعي، أولهما تدبيره السيئ لـ «بنك» بدلاء لا نظير له، وثانيهما أنه أقدم على خيارات دفاعية في هذه المباراة بالذات لم تكن محفزة للاعبيه.
ومع مرارة تبخر حلم إنجليزي طال انتظاره، فلا أحد بين الإنجليز يرى بأن ساوثجيت لم يعد رجل المرحلة، فما حققه باقتحام نهائي بطولة كبرى صدت أبوابه لخمسة عقود في وجه الأسود الثلاثة يشفع له بأن يستمر..
سنة ونصف على ساوثجيت أن يعمل خلالها على جعل هذا الجيل الرائع يربح شيئاً في مونديال 2022، حتى تعود كرة القدم فعلاً إلى بيتها.