لطالما اعتقدت أن الرواية -بالنسبة لي- هي الأداة الأكثر قدرة على ضمان الرونق الذي يبقي للحياة متعة، بالتأكيد هناك حاويات أخرى أنتجتها البشرية قدمت إمتاعاً إنسانياً كالأفلام واللوحات الفنية، غير أن الرواية الجيدة وحدها، وبما تحتويه من مخزون فكري ولغوي يلتقيان بوعي القارئ وخياله، تعد الأداة الوحيدة القادرة على تحقيق الدهشة التي تتجدد مع كل قراءة مختلفة، في الرواية دهشة لا تنطفئ كونها تملك القدرة على الإبهار في كل اللحظات، حتى تتحول إلى أسلوب حياة متحقق فعلاً.
برأيي إن الدهشة اسم آخر للقيمة الأدبية لأي عمل مكتوب، فإن ما يضعه المبدع فيما يكتبه بلغته من أفكار وصور ورؤى حول قضايا يختارها لتكون محور عمله، سواء كانت قضايا شخصية أو وطنية أو حتى إنسانية، كيف نقرأ كل ذلك، وما يبقى فينا بعد كل قراءة من دهشة، هو ما يستحق أن أطلق عليه قيمة أدبية، وبما أننا مختلفون، فالطريقة التي نحس بها بتلك القيم الأدبية تختلف من شخص لآخر في حجمه وخبرته وحساسيته وأثره، هو ما يبرر اختلافنا في تقييم الكثير من الأعمال الأدبية.
للدهشة المتحققة من الأدب المكتوب، أثر حسي بليغ، يبدأ بدغدغة الفضول وإطلاق النهم، فتتغذى الجوارح، لتجد نفسك وقد رأيت وسمعت وشممت وتذوقت ولمست، أعمالاً تصنع كل هذا بك.. فإنها تفاجئك، وتدهشك بدرجة قد تعتقد بعدها أن هناك حاسة جديدة خُلقت لديك، حاسة تجعلك تعيد تقييم حواسك السابقة لتفاجأ بأنها لم تعد كما كانت قبل أن تقرأ، بل تغيرت، وأصبحت شخصاً آخر أكثر حساسية، وربما شخصاً أجمل وأكثر إنسانية.