لأن المشاعر شاغلي وانشغالي، قررت التوقف في محطة جديدة تماماً في حياتي وتغيير مساري لإعداد نفسي للتعلم وللعزلة والتأمل، فقط لأراقب ذلك الطيف المتغير من الأحاسيس التي سأعيشها بسبب التجربة الجديدة منذ أن قررت مؤخراً ترك وظيفتي (والتي يعتبرها زملائي الحلم المهني لأي إعلامي) وأنا في قمة نجاحي بعد أربعة وعشرين عاماً. اتخذت هذا القرار لأعيش مشاعر جديدة وأجرب أفكاراً مختلفة، وأفعل أموراً كثيرة كنت أسرق الوقت لكي أقوم بها واعتقدت دوماً أنها ستجعلني أسعد. وها أنا اليوم بعد ستين يوماً كاملة أحاول أن أستوعب جمال هذه المساحة التي وهبتها لنفسي بذلك القرار الذي استهجنه أغلب من أعرفهم، ولكنهم وعلى ما يبدو لم يعرفوني!
كنت ولا زلت على قناعة تامة بأن المشاعر الإنسانية التي نحملها عن أنفسنا وعن ما هو حولنا هي أكثر ما يثير انتباهي واندهاشي ويستفزني للكتابة، إنها عالم مثير يستدعي التأمل، والتمعن والتحليل والتفسير، بل وتغير الحال إلى حال آخر لاختبارها. وإني على قناعة لا تشوبها شائبة بأننا لو انشغلنا حقاً بمشاعرنا تلك واشتغلنا عليها لانشغلنا عن كل القشور وذهبنا أعمق في إدراك سبب وجودنا الحقيقي في هذه الأرض وسعدنا، بل وتمكنا على صعيد جماعي من تجاوز كل المحن الإنسانية، فقد ننجح بإلحاق الكساد بتجارة الأسلحة وإفلاس تجارها ووقف الحروب، وإغلاق كل تلك المنظمات العالمية بعد أن تصبح بلا جدوى في غياب المرض والجوع والفقر والتغير المناخي!
دائماً ما كنت أردد هذه المقولة في داخلي، «النور الذي يمنحك إياه الآخرون.. مؤقت»، ولكي أضمن لنفسي عدم مباغتة الظلام حياتي، كنت أخطط بأن أجعل مصدر ذلك من داخلي. ولكي أحصل على هذا النور، يجب أن أنفق وقتي في أفعال تجلب لقلبي السعادة وتجعل لدقاته نغمة راقصة، وأن أنشغل باللحظة التي أعيشها فأستغرق فيها فلا أفكر بما عليّ من التزامات يوم غد ولا أجلد نفسي على ما فعلته يوم أمس من إخفاقات. أردت أن أستودع عواطفي لأناس رغبوا بقربي لذاتي لا بمكانتي الوظيفية، فلا أهدرها لمن لا يستحق وما لا يجدى. وفي طريقي الذي بدأته للتو، سأشارك تلك المشاعر الجديدة مع قرائي، لأخبرهم عن الجواهر التي أعتقد أنها تستحق فعلاً أن نحيا لأجلها.