«الشخص الجامد هو ذاك الذي ينظر بلا بصيرة، ويُصغي بلا فؤاد، ويلمس بلا إحساس، ويأكل بلا تذوق، وتتحرك جوارحه بلا وعي، ويشم بلا رائحة، ويتكلم بلا تفكير»..
«ليوناردو دافينشي»

تميز «دافينشي» ببصيرة خاصة، فقد كان يرى الأشياء ليست على ذات الشاكلة التي يراها فيها العامة، وكان يجسر بينها برابطه الخاص الذي كان يلمسه بوضوح، ويشعر به بكل جوارحه، ومن أشكال ذلك التجسير تقنية «سفوماتو»، وهي أحد أعقد وأدق تقنيات الرسم، إذ يقوم الفنان باستخدامها للانتقال من درجة لون في غاية الوضوح الى درجة لون آخر غاية في الوضوح كذلك، ولكن بتدرج يتصف بالضبابية والغموض.. المثير أن هذا التدرج هو جوهر عملية الإبداع في تلك التقنية، وإن بدا الانتقال بين اللونين سلس، إلا أنه إجراء صعب ودقيق ومتعدد الطبقات ولا يقدم عليه إلا مبدع ذو خيال خصب.
برع رسام عصر النهضة «ليوناردو دافينشي» بهذه التقنية التي جعلت من لوحاته أيقونات فنية مثيرة، أثارت شغف زمرة من الباحثين الذين اشتغلوا عليها لكشف تفاصيلها بتقنيات مختلفة، مثل استخدام الأشعة السينية التي سلطت على أعماله وخصوصاً «الموناليزا» ليكتشفوا طبقات رقيقة جداً ومتعددة من الألوان التي كان يستخدمها «دافنشي» وخصوصاً في رسم الوجوه، مما أضفى عليها سحراً وغموضاً كان يعتري كل مُشاهد لأعماله.. لقد كان كل عمل له بالفعل سراً قائماً بذاته.
وعلى الرغم من أن دافنشي لم يكن مبتكراً لهذه التقنية غير أنه أفضل من برع فيها وذهب بها إلى فضاءات خلدت أعماله في الرسم.. لقد انشغل الرجل بالغموض الذي يمكن أن يربط بين الأشياء الواضحة التي يألفها الجميع، ولهذا تميز في الأدب والنحت والعمارة، كما كان مبتكراً ترك مخططات لاختراعات كاملة ظهرت بعده بقرون. 
بهذه الوصفة التي تبدو بسيطة جداً، يتميز بعضنا عن بعض رغم عيشنا في بيئة واحدة، وتعرضنا لذات العناصر، نشاهدها كل يوم ونسمعها باستمرار ونأكلها بلا انقطاع، غير أن قلة قليلة من تصغي لها، وتتذوقها.. قلة من تبصرها حقاً وتوجِد الروابط بينها، وتخلق لها بعداً آخر.