الحياة هي دورة أزلية، وباريس سان جيرمان هو عنوان للفشل الأزلي في دوري أبطال أوروبا.
تمر المواسم تباعاً وتتلاحق، وينفق سان جيرمان ما ينفقه، ليجلب بأرقام فلكية إلى حديقته بباريس، أمراءً جدداً لعله يهتدي لأقصر الطرق التي توصل إلى التاج الأوروبي المرصود، لكن الخواتم تظل لغاية الأسف واحدة لا تتبدل، «وجع» يعقبه «وجع»، ولا «وجع» يشبه الآخر، ولكنه في النهاية «وجع» يجفف ما في الصدر من صبر.
تستحق مباراة ريال مدريد وباريس سان جيرمان في طبعة الإياب بـ «البرنابو» عن الدور ثمن النهائي لدوري الأبطال بطبعتها الأوروبية الراقية والفخمة، أن تعيدني إليها، لأتعمق وإياكم في هذا الذي أعطته من رسائل، وما أفرزته من دروس، فأنا مع النقاد والمؤرخين لحركية التاريخ الخططي والتكتيكي وللقيم الرياضية التي تصدرها الملاعب الأسطورية، عندما يقولون إن كل نسخة من دوري أبطال أوروبا هي صفحة في «إليادة» كرة القدم العالمية، فما خلت هذه البطولة في عمرها الطويل من ثورات غيّرت تضاريس كرة القدم العالمية، فلا وجود لمحفل كروي أرقى منه فناً وإبداعاً وتنظيماً.
أنا من اعترف بعشقي الأبدي لريال مدريد، ما شعرت أبداً بالاطمئنان لخسارة «الملكي» في فاصل الذهاب بهدف مبابي، هناك بحديقة الأمراء في باريس، فقد لعب الريال بشكل سيئ للغاية، أستطيع الجزم بأنه لعب ضد طبيعته، متكوماً في منطقته، يصد بشكل مسيء للنفس الغارات الباريسية.
أعطانا الباريسيون الانطباع على أنهم وجدوا الوصفة السحرية لإزاحة «القياصرة» من طريقهم، لذلك تصورت أن جولة الإياب بمدريد ستكون جحيماً على الريال، وهكذا كان في جولة أولى فعل فيها الثلاثي، ميسي، نيمار ومبابي ما شاؤوا، بل إنهم عززوا تقدمهم ذهاباً بهدف جديد، يكاد يكون نسخة كربونية من هدف باريس.
لكن من عرضوا جلد ريال مدريد في سوق النخاسة ليبيعوه من دون أن يقتلوه، ارتكبوا خطأ جسيماً، لأن ما فعله الريال في الجولة الثانية، هو من وحي أسطورية الملكي، هو رجع صدى لملاحم قديمة كتبت بالعرق والإبداع، هو صورة من العراقة والفخامة وصلابة الكبرياء، وهذه الأشياء كلها لا تتوافر حتى الآن لباريس سان جيرمان، إنها لا تشترى بالمال، وأيضاً لا يتم امتلاكها لمجرد انتداب الأساطير، من ميسي فما تحت.
الدرس الأول لتلك الملحمة، أن فرقاً مثل ريال مدريد تلعب بسبع أرواح، وإن حدث وسقطت، فإنها تسقط كما الأشجار واقفة وأبية بل وشامخة، والدرس الثاني أن باريس سان جيرمان مهما ملك من خزائن ومن أموال، فإنه لن يستطيع شراء العراقة التي تأتي مع السنوات، وأبداً لن يضمن وجود هذا الحشد من النجوم المنتدبين بالملايين الفوز بالكأس ذي الأذنين الطويلتين، فمهرها أغلى بكثير مما يملكه اليوم الباريسيون.