تعاني المجتمعات العربية في العموم والخليجية في الخصوص من «ضعف المناعة اللغوية» التي تشكل الشخصية الفردية، وتعطي الخصوصية للمجتمعات، وبالتالي تبني هوياتها التي ترتكز على ثوابت من قيم وتراث وعادات وتقاليد اجتماعية، ومبادئ دينية، وإرث شفاهي يمتد قدماً في تاريخ المكان والناس.
لقد مرّ المجتمع العربي والخليجي كجزء من نسيج عربي وإسلامي لهزات مجتمعية وحراك ثقافي، بتأثيرات داخلية نتيجة عوامل الجهل والتخلف والشعور بوقع الهزائم على مختلف الصعد، وعبر تاريخ طويل غير مستقر، ولا واضح في مجمل معالمه، فحدث ذلك التململ والرجّة بغية التغير والتغيير، وإيجاد خريطة طريق موصلة لتلك الشخصية العربية والإسلامية التي نقرأ عنها في التاريخ والكتب، ولا نجدها على ظهر الواقع المرير الذي تعيشه هذه المجتمعات في واقعها المعيش، سياسياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً.
كانت تلك الإرهاصات بداية تبلور الشخصيات المهتزة، والهويات المرتعشة في مجتمعاتنا العربية والخليجية، ثم إن مسببات خارجية لطلب التغير والتغيير، جاءتنا باتصالاتنا مع حضارات العالم، سواء عن طريق الاستعمار أو الهجرة أو التبادل الاقتصادي والثقافي والتواصل الإنساني بحضارات متقدمة وراقية، جاءت لنا بهدف المصالح المختلفة أو ذهبنا إليها بهدف المنفعة المعرفية وطلب الحداثة ودفع وتيرة التغيير في مجتمعاتنا التي ظلت تعبد النص المغلق والشخصيات الوثنية، والكثير من سكان القبور وبطون كتب التاريخ، ومحاولة الصراخ من أجل الحرية والديمقراطية، وبناء مجتمع مدني حديث يتواءم مع حركة الحضارة والتقدم العلمي وفلسفة الحياة والعصرنة الجديدة.
اليوم المجتمع العربي والخليجي منشطر على ذاته، البعض يبكي على أطلال غابرة، يحاول أن يرجع التاريخ المضيء كثيراً إلى الوراء، ليقحمه في الحياة العصرية الجديدة، فلا يجد التفسيرات الصحيحة لاقتصاد الساعة، والتعامل والتداول الاقتصادي المبني على الشفافية والرقمية، ولا يدري كيفية التصرف مع مخترعات العصر التي تقدم المتعة المطلقة التي لا تحدها حدود اجتماعية وثقافية أو قيم سامية، لقد تزلزلت سلطات الأب وزعيم القبيلة، وغدت لا تعطي أي اعتبار لمنزلة البيت الكبير وجد الأسرة وكبيرها، ولا في المجتمع البدائي والبسيط الذي عرفه الناس وأحبّوه كحنين لا يتمنون أن يغادر حياتهم، جاء للمجتمعات عندنا ذلك التقدم العلمي وأسئلته الكثيرة المشاغبة التي تحطم الثوابت، وتغير المفاهيم، وتتعارض مع نصوص «التراث الديني»، وتصطدم بأبواب الكنائس والمساجد معلنة ثورتها العصرية في بناء إنسان حضاري كوكبي كوني، رقمي، وربما افتراضي، متناهي الهوية، متماهي الثقافة، ذي هوية قد نجدها اليوم مرتعشة، لكنها قادرة أن تثبّت نفسها وتخلق قيمها، وتصنع إنسانها الذي تريد أن تجعله خارقاً أو مسالماً أو منزوع الشر أو مطواعاً لأجهزة أو مسيرات أو برمجيات أو عقول افتراضية تريد سلبه هويته الإنسانية باتجاه هويته الرقمية أو الكوكبية المرتعشة.. وغداً نكمل