أن يضم معرض الكتاب في أبوظبي 450 فعالية ثقافية، تجمع كوكبة متنوعة من مفكري الوطن والعالم، فهذا يعني أننا مقبلون على نزهة إبداعية ملونة بالفكر، مزدانة بالمعنى الذي تتسم به بلادنا كونها دولة عربية الجذور، عالمية الفضاء الإبداعي، وهذا يدل أيضاً على أن الإمارات تجاوزت حدود الجغرافيا، وبلغت نواصي الحلم الأبعد، وهذا يشير إلى أن الإنسان في الإمارات لامس شغاف النجمة، وخض نبع الغيمة، وذهب بالعقل إلى حيث تكمن الحقيقة البشرية، وهي أنه ما من حضارة ترتقي، وتنمو، وتزدهر، وتزهر إلا وقد استأنفت حدود التساقي مع الجداول عبر مد الجسور، واستخدام الوعي بذروته الناضجة، ليصل العقل إلى أعلى قمم التطور، والرقي والشفافية، كما أنه حدق، ونسق، وبسق، واتسق معتنقاً التنوير منهجاً، وعقيدة، متواصلاً مع الآخر على أسس منطقية جذابة، وخلابة، متعاطياً مع الحياة على منوال لا يشذ، ولا ينحرف عن أصوله الصحراوية التي منحته الفضاء، وعلمته الشجرة كيف يكون متفرعاً، يانعاً، يافعاً، سامقاً، باسقاً، حيياً لا يختبئ خلف لثام ليطرد عجزه، بل يكشف عن محيا، ليواجه الحياة بقلب كأنه الدر في الأعماق، كأنه الثمرة الناضجة في الآفاق، كأنه اللغة في بطن القصيدة، كأنه الكلمة في أحشاء المعنى، كأنه العلامة في سر الوضوح.
أبوظبي اليوم تزجي الخطوات واثقة وتمضي في العالم كلمة أوضح من الشمس، وعين الوضيحي في رمل البيداء النبيلة، وعنق العاديات ضبحاً، الموريات قدحاً، وبحب الحياة تزهر هذه العاصمة، وبعشق التحدي تخلق للجيل مسافات أبعد من الشمس، وأوسع من المحيط، وأعظم من جل الفلسفات الدنيوية، والنجباء هم الذين يشحذون الصقال القواطع، من أجل كسر شوكة الأسئلة، والوصول إلى ذروة المجد، بحرفية الذين يعرفون مدى أهمية أن يكونوا في العالم محوراً، وأن يصبحوا بين الشعوب مراكز إشعاع ليعرف العالم بأن الصحراء عندما تلتهب خيوط الشمس تكون عيونهم مرايا تعكس الواقع، كما تهواه العقول الفذة، وكما تتمناه النفوس اليقظة.
معرض الكتاب في أبوظبي ليس طارئاً على بلد سمتها ترتيب وجدان الناس على أكمل وجه، وبحرفية الذين يجيدون غزل قماشة الحياة وحياكتها بسم خياط لا تبلى إبرته، ولا يعطب خيطه.
في مركز اللغة العربية هناك عقول كأنامل نساجين تعمل على ترسيخ فكرة أننا في حضرة الكتاب نكون حروفاً زاهية، وكلمات تتداعى، كأنها السعفات في جذل النخلة، كأنها الزهرات في نغمات النسيم، كأنها الحلم في وعي الطفولة، كأنها السرد في خضم العبقرية، كأنها اللمعة في غضون الأعماق الثرية، كأنها الدفء في أحضان الذروة القصوى.
ونحن الواقفون عند مصبات الروافد، نلتقي كل صباح بمنجز من منجزات مركز اللغة العربية، ونرتشف عذب القطرات، ونقول هل من مزيد، فإذا بالقطرات تصبح أنهاراً وإذا بالأنهار تصبح رموشاً تظلل رؤيتها لعالم يحتاج إلى ظلال تمنح الحياة فيئاً، وآرائك، وأيكاً، وكل ذلك يحدث في هذا الوطن الدفيء.