- في ناس بصراحة دائماً ما يحمّلونك قلة نومهم بالأمس، وضيقهم في الصباح الباكر، فإن لقاك أحدهم لقاك بوجه غير بشوش، ولا قلب ودود، ولا لسان طلق، وكأن أحداً غرّمه للتو مقدار حمل بغلين من المال غبناً وظلماً أو أن أحداً رضّ إصبع يده بمطرقة، فتحاول أن تخلق له عذراً، رغم أن هذا الأمر ليس مطلوباً منك، ولا هو واجب عليك تجاه «المعذبين في الأرض»، لكنك تعد نفسك كافلاً لليتيم، ومؤنساً للكليم، فتشعر بدلاً عنه بمأساته الصباحية، وأنه لم يكن على ما يرام ليلة البارحة، فتقول في نفسك: إن شاء الله ما تكون قد أزعلته «بنت العون»، فبات يتقلب على الكنبة في نومة تشبه نومة العازب أو ما طَبَعّ له مركب في لجّة البحر، يجبرك أن تخلق له مبررات غضبه ذاك النهار، وتتمنى لو أن بيدك شيئاً تفعله لتلطف أجواءه، وتدخل قليلاً من البهجة على نفسه، ولو سولت لك نفسك أن تُعرّفه على صديقة آتية من الشمال البارد، طافحة بالعافية، كانت مرشدة سياحية لنا في يوم ما، فقط لتنطلق أساريره، فجأة تجد نفسك تتحول مسؤولاً مباشراً عن شخص قد لا تعرفه، إلا أنه لم يكن مسروراً ذاك النهار، ونقل لك تلك العدوى، وتلك الطاقة التي تثقل على الروح كرحى على الصدر.
- هناك أصدقاء لا بد وأن تحمل نجاسة أفعالهم، وكأنهم أصغر أولادك، فدينه إن لم يقضه، وغالباً لن يقضيه، متكلاً على صديق حاملاً الآسيّة، ودافعاً الديّة، يمكن أن تكون - طبعاً هذا في وقت الشباب وأيام الجاهلية- في مكان ويدخل ذلك الصديق القصير في عراك هو ليس قده، خاصة وجسمه الهزيل لا يساعده على ذلك الأمر، والشخص الذي في المقابل كان متسامحاً في البداية، لكن صديقك بقِصَره الواضح يصر على العراك، غير ملتفت لقوة ذراع الآخر التي تشبه «مضراب الهريس»، مشكلة الصديق الذي يغوى المنازعة والمنازلة، هو أول المنسحبين، تاركاً الساحة كلها لك، ليستفرد بك الآخر بعد ما حمى وسخن، وكله لوم عليك لأنك لم تستطع ردع صديقك القصير عن مغالاته، وتبجحه، وأنت في الأساس لست في حماستك المعهودة، والتي تجعل من الغضب المتراكم منك ملاكماً، فيصبح اختلال الموازين هو سيد الموقف، خاصة في ظل عدم «طلب مساعدة من صديق»!
- هناك أناس يتمنون لك الفشل من دون أن يعرفوك جل المعرفة، فلا تعرف كيف يمكن أن تبرر فعلهم، وكأنك خصم معهم في ميراث، لا هم قابلين رأي القاضي، ولا هم فيهم حزنك العميق على المرحوم، تريد أن تشرح لهم أن النجاح حق للجميع، فتبدو عليهم سحابة متثاقلة بالأسى، وأنه أمر مشروع لهم، فيمتعضون بتلك العصارة الهضمية التي تشعر بها تجرح حلوقهم، تريد أن تطلق عليهم أعداء النجاح، فلا هم من الأعداء، ولا هم من الناجحين، تريد أن تمنحهم شرف الاختلاف، فلا تقبل ذلك في داخلك، ولا هم يستحقون، تحتار أين تضعهم من موقع الإعراب، فلا تجد غير أنهم أبعد عن الرفع، وأقرب إلى النصب، وأسهل إلى الجر، وأنهم وأفعالهم منقوصون!