بعد 56 سنة قضتها في المنفى تجتر عذاب الغربة ومحنة الانتظار، عادت أخيراً اللعبة الجميلة إلى بيتها، وسيدات إنجلترا يحرزن بطولة أوروبا للأمم، بعد فوزهن على سيدات ألمانيا بهدفين لهدف في نهائي سيبقى بلا شك خالداً في الذاكرة، نهائي حضره بالملعب الأسطوري ويمبلي ما يزيد قليلاً عن 71 ألف متفرج، وهو حضور حطم كل الأرقام في تاريخ الكأس الأممية للقارة العجوز.
كان من الممكن أن تعود اللعبة الجميلة من منفاها إلى وكرها في مثل هذا الوقت من العام الماضي، والمنتخب الإنجليزي للذكور يبلغ نهائي بطولة أوروبا للأمم، لولا أن منتخب الأسود الثلاثة سقط بالضربات الترجيحية أمام إيطاليا، وترك الإنجليز يعودون مهزومين إلى كهوف الوجع.
وإذا كان تتويج إنجلترا بكأس العالم سنة 1966، قد اقترن بفضيحة تحكيمية، في النهائي الذي خاضه الأسود الثلاثة أمام الماكينات الألمانية، فإن نجاح منتخب السيدات الثلاث لم يدع عند تتويجه باللقب الأوروبي متفوقاً على منتخب نسوي ألماني ولا أجمل، ولا ذرة شك في أحقيته بالفوز، بل إن عباءة الشرف لم تتلطخ بأي شائبة من أي نوع.
وبعيداً عن أي مقارنات ظالمة بين كأس أفريقيا للأمم في نسختها 14 التي انتهت قبل أيام بالمغرب بإعلان سيدات جنوب أفريقيا بطلات لقارتهن لأول مرة، وبطولة أوروبا للأمم في نسختها الثالثة عشرة بمسماها الجديد، والتي اختتمت بكرنفال إنجليزي غير مسبوق، وحتى بطولة أميركا الجنوبية التي أعلنت نسختها التاسعة بكولومبيا راقصات السامبا بطلات للمرة الثامنة، فإن ما شاهدناه في القارات الثلاث، ينقل كرة القدم النسائية إلى مستويات مذهلة تبرز حجم الطفرات التي حدثت.
ولكي ينجح منتخب السيدات الثلاث في ترويض سيدات ألمانيا اللواتي احتكرن لسنوات اللقب الأوروبي، فقد كان لابد وأن تأتي المدربة الهولندية سارينا ويجمان بما لم نره قط في كرة القدم النسائية وحتى الرجالية، بما لم يفعله قبلها لا مورينيو ولا جوارديولا، فبالإضافة إلى الطوق الجماعي الذي يطبق على أداء المنتخب الإنجليزي فلا يبقي هامشاً لأي نشاز فردي، فإن سارينا ستعتمد على تشكيل أساسي من 11 لاعبة في ست مباريات، ما يشبه الجوقة المقدسة التي تأتيها بين الحين والآخر من دكة البدلاء رنات استثنائية تصعد باللحن الجماعي لمستويات مدهشة، فمن هذا البنك خرجت عملات نادرة أحرقت البورصة.
والخاصية الأخرى لهذا المنتخب الإنجليزي للنواعم الذي أعاد كرة القدم الجميلة لبيتها بعد 56 سنة من الاغتراب، هو أن لاعباته جميعهن يمارسن بالدوري الإنجليزي الذي سجل صعوداً مذهلاً لعائدات التسويق والبث التلفزيوني، صعوداً اقترن بالتطور الكبير لنسب مشاهدة مباريات كرة القدم النسوية، فلا فرق ولا تمييز.