يبدو مركز اللغة العربية في حاضرنا الثقافي، الجدول الذي انبثق من باطن الحياة، ليسفر عن علاقة وطيدة بين الثقافة وبين من يديرون هذه الشجرة، ويسقون جذورها، ويشذبون أوراقها، ويرتبون وجدانها، ويهذبون معناها، لتصبح الحياة في المكان أغنية يمتد صداها في الزمان والمكان، ولا حدود للفن، كما أنه لا نهاية لصفحات الكتاب.
اليوم يقوم مركز اللغة العربية بجهد يعيد للضاد بريقها، وللغة تألقها، وللحلم لباقته، ولجيل أسهب في التعرف على ذاته من خلال خير جليس لخير مقند لقهوة الصباح ليبدو الفنجان الساخن، قلماً آخر يرتل صبوة الحلم على صفحات كتاب، ويتلو ما رواه التاريخ عن قصة مدينة كانت عند ضفة النهار تسكب الحلم سلسبيلاً، وتمنح السماء زرقة الشال والخلخال، وتكتب للأجيال رسالة تحرر فيها المعنى والمغزى، وتنهل من قرائح العشاق ما انحل من جدائل الشعر، وما أسدل من خصلات كانت لها الفعل والتفاعل في بناء البيت العامر في ضمير الثقافة، والفكر السامر على فيض أغنية أو شلة أو نهمة أوترنيمة طير يطوف بأطراف الديار المنعمة بحلم أبنائها وسرد عشاقها، وقرض ممتهني الحب نعمة ونغمة وقيمة وثيمة وجزل وفضل.
هكذا تبدو مدينة العين اليوم وهي تستقبل ذوي النعم من الأبناء المخلصين ممثلين بمركز اللغة العربية والذين يسهرون ليقرأ الجيل، ويرسمون ليُمتع الآخر بمشهد الأحلام الزاهية، ويفكرون لتبدو الغيمة سحابة ممطرة تثري وجدان الأرض كما تفيض الأشجار بالأخضر الرطيب.
حقيقة زيارة واحدة لمهرجان العين للكتاب لا تكفي، وإطلالة على منجزات أهل الفضل لا تشبع غرور النظر والتمعن، ففي المهرجان رفرفت الأغنية كما حلق الشعر وطاف السرد بالذاكرة حول عوالم من أبدعوا، ومن ملأوا الدنيا صيتاً وصوتاً، ومن رفعوا النشيد عالياً لكي تصير العين قرة العين، وتصير اللغة هي سراجها ووهج عطائها، وسر ازدهار عشبها، وأصل سموق أشجارها، وبسوق أغصانها، وينوع تاريخها.
اليوم ونحن نفرح بهذا المعطى ونبتهج بسلسال الذهب المطوق لعنق ونحر، نشعر أن ما يقوم به مركز اللغة العربية، إنما هو دور المتأدلجة بلغة الأناقة واللباقة واللياقة وسرب الطير المتدفق شغفاً بالحياة، المتأنق حلماً زاهية برونق الجمال والكمال وحسن الخصال.
اليوم ثقافتنا ليست كأمس، فهي محمولة على أكتاف ضمائر أخذت على عاتقها إضاءة الثقافة بالوعي، وتوسيع حدقة الوعي بإدراك أهمية أن نكون معاً في المسيرة الحضارية التي سلكتها بلادنا، وتفويض الإدراك بأن يكون هو رائد فضاء تطورنا، واندماجنا بالعالم كما تتداخل العناقيد في صناعة وعي الشجرة.
هكذا نشعر ونحن نلج بستان الثقافة في مهرجان العين للكتاب، وهكذا بدت الصورة، وهكذا كان المشهد رائقاً مثل نجمة تسامر سحابة، ومثل قيثارة تتابع لحناً في وجدان زهرة برية هكذا لمسنا، وهكذا عشنا ليلة فاضت بالحب مع أصحاب وأحباب ومدنفين شاغلتهم الكلمات كما تداعب النسمات خصلات حسناء من أهل قيس، وزهير ونزار.
هكذا كانت الليلة مضاءة بعيون كان لأهدافها علاقة بالحبر، ولبريقها تضامن مع الصفحات، ولحلمها رفقة مع التاريخ الذي سجلت مواقعه قرائح أفذاذ أغمضت عيونهم الجفون، وبقيت كلماتهم ترانا كيف نقرأ ما بين السطور وما بعد الفواصل، وما قبل النقاط.
شكراً لمركز اللغة العربية، فهذه السنة جاءت محملة بالطموحات، مكللة بالإنجازات، متوجة بفرح الذين تبهجهم ثقافة في إبداعها سر نمو الابتسامة على الشفاه.