تنظر إلى الطبيعة، وتتأمل كيف يغني الطير من أجل الجمال، وكيف ترقص الأغصان، محيية الوجه المضيء لشمس تطلع وفي درهمها العريق لون الذهب، وفي الليل تبدو النجمة مثل الحلم الزاهي، تعيد رسم الأخلاق لكون ازدحمت فيه فيروسات الكراهية، مثل ما هي الطفيليات على جثة عفنة.
السؤال ينصب على ماذا لو فطن العالم، لماذا لا يتفاهم الكبير مع الصغير إلا عبر فوهات النار، ومن خلال التهديد والوعيد؟ السؤال يصطدم بكومة من تراكمات تاريخية أجهضت كل نظريات الحب، وخيبت آمال فلاسفة عظام مثل كان جاك روسو، الفيلسوف الفرنسي الجميل، والذي نادى بالتماهي مع الطبيعة، لنعرف مكنون الجمال في الحياة، ولكن كيف سيحدث هذا والعالم يتصارع على نتفة رغيف، ويسفك الدماء لمجرد أن يختلف شخص مع آخر بلا دين بدينه، أولا يلبس مثل ثوبه، أو لا يأكل مثل أكله، أو أنه يختلف عنه في اللون، أو اللغة، أو الثقافة.
هذه قواسم مشتركة، تنقسم لدى المنعزلين إلى أقسام، أحياناً إلى فتات حتى تصبح غباراً يعمي البصيرة والبصر.
فعندما نفقد القدرة على التمييز بين الحلم والواقع وبين الحقيقة والخيال، يصبح العقل مكب نفايات، لا يصلح العيش فيه إلا للمكروبات، وبعض القطط الضالة، التي لا تجد ما يطعمها في بيوت البشر.
عندما يؤول العقل إلى هكذا مآل، فإنه لا مكان للضمير الحي، ولا منزلة، ولا منزل.
الضمائر كالأعشاب، لا تنمو إلا في المياه الصافية، والتي ترشف من معين الأنهار الخالدة.
الضمائر، مثل الطيور لا تحب السجون، وإن سجنت في فكر منعزل، فهي تموت، ولا تستطيع إكمال مشوار الحياة، في وجود مزدحم بالطحالب، فنحن مخلوقون من قماشة مشتركة بين الحلم والواقع، وبين الحقيقة والخيال، ولكننا لا نعرف كيف ننقي هذه القماشة.
الأمر الذي يجعلنا نكبل أنفسنا في هذا المستنقع، فنختنق، ونذهب إلى مآلات لا تصلح إلا للذين يعيشون على أسرة الإنعاش، أو الموت السريري، كما يسميه أهل الطب. فلا ضمير لمن يعيش خارج سرب الوعي، ولا وعي لمن قصر في فهم الحياة، وعلاقته مع الآخر.
يقول الأديب الفرنسي فيكتور هيجو: نحن نرزح تحت وطأة هذه الآلهة الشيطانية التي هي الأفكار، تدوس أرواحنا بأطرافها المتنازعة، والتي تجعلنا نعيش من أجل البقاء، وليس من أجل الحياة.