منذ زمن بعيد، قرأت رواية «الأنفس الميتة» للروائي الروسي الرائع نيقولاي غوغول، رواية رائعة وبديعة، تطلب الأمر جهداً مضاعفاً في التركيز وإعادة قراءة بعض الصفحات أكثر من مرة، كنت أواجه بعض الصعوبات في فهم بعض المقاطع والجمل وطريقة تقديم الرواية. جمالية بعض المقاطع تأخذك إلى تحليقات وتخيلات بعيدة، تتوقف عن القراءة برهة، مأخوذاً بالأحداث وأسلوب الكتابة البديعة، ما يجعلك تعود مرة أخرى لتقرأ ما قرأته سابقاً، قراءة الروايات الروسية القديمة تحتاج لجهد وانتباه شديد لهضم العمل والرواية. أحداث وشخوص كثيرة تمر بك وعليك أن تحفظها في مسيرة القراءة الطويلة، هذا يتكرر معي الآن وأنا أقرأ رواية الأديب الكبير دوستويفسكي «حلم العم». إنها رواية جميلة وإن كانت قديمة وتتحدث عن المجتمع الروسي القديم، إلا أنها من روائع الروايات، التي تظهر أحداثها في المجتمعات الشرقية الجديدة الآن. رواية كأنها تقرأ ما تعانيه المجتمعات الشرقية الآن أو بعضها. بطل الرواية أرستقراطي روسي مفتون بكل شيء في حياة الغرب الأوروبي، يتابع ويقلد كل شيء هناك، يعرف ويعشق كل الغرب أكثر من بلده روسيا، يبدو هزلياً في اختياراته وأفكاره، مفتون بالحياة الفرنسية على وجه الخصوص، تتسابق بعض النسوة للارتباط به، وتحاول بعض الأمهات تقديم بناتهن له للزواج، حيث ينشدن امتلاك ثروته بعد الرحيل، وخاصة أنه كبير في العمر والزمن يمضي بالتأكيد إلى نقطة النهاية.
الرواية تسير على نفس أسلوب الفن الروائي الروسي التقليدي، عمل جميل، ولكن يحتاج إلى التركيز والانتباه للأحداث الكثيرة والشخوص العديدة. عندما تقرأ الرواية تعيش الحدث تماماً بكل تفاصيله الصغيرة، وكأنك تعيش زمن أحداث الرواية وتشارك في الحياة اليومية، عمل وأسلوب بديع يجعلك في تحفز شديد لمعرفة نهاية هذا الفن الرفيع في الكتابة.. الرواية الروسية قدمت للقارئ أروع الأعمال الأدبية، ولعلها كانت الأشهر والأكثر أهمية، بداية من رواية «الأم» إلى رواية «الحرب والسلام» وغيرهما، وأعمال شعرية وقصصية بديعة، كانت هي سيدة الساحات الأدبية، في أزمنة برز فيها الفن الروائي والقصصي والشعري الملتزم كما كان ينعت وقتها. بعض القراءات الأدبية تحتاج إلى الجلد والصبر والتأني في القراءة. أتذكر أنني لم أستطع أن أنهي قراءة رواية «شيفرة دافنشي» للكاتب دان براون، وذلك لطول الرواية وأحداثها الكثيرة والضجر من حجم الكتاب والأحداث الصعبة التي تدور في الرواية. العودة لقراءة دوستويفسكي وأعماله، هي استراحة وحب للأعمال الأدبية الرفيعة والجميلة، وحتى لا ننسى الفن الروائي البديع الذي سطع يوماً في الساحات الأدبية، ولنتعلم ونسعد بالفن الأدبي الجميل. مهم أن نجعل لقراءاتنا مسارات جديدة وقراءات جديدة، ولكن بين فينة وأخرى لابد أن نقرأ للكتاب الكبار الذين قدموا أفضل الأعمال، فقط حتى لا نفقد بوصلة القراءة والتذوق لجمالية الأدب الرفيع. كثيرة هي الروايات التي تظهر الآن وهي متفاوتة بين البديعة والجميلة وما دون ذلك، مفرح أن يظل طريق الأدب والثقافة مشرعاً وممتداً لكل من يبدع في هذا الدرب الطويل، وجميل أيضاً أن ننوع في القراءة بين القديم والجديد.