جاء فاصل ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أفريقيا، ساخناً ومتمرداً، بل ومرتجلاً كما هي قارته، فقد قال السوسيولوجيون مرة إن سحر قارة أفريقيا هو الارتجال، والارتجال هنا بمعناه الإبداعي وبسفره المجنون في اللاتوقع، حيث يصبح فناً من فنون الممكن.
توقعنا أن يوقظ الأهلي المصري «العفريت النائم» بداخله، وقد تعرض في دور المجموعات لـ «هزة عنيفة»، وهو يخسر بخماسية أمام ماميلودي صن داونز، ويدين بالفضل في عبوره «القيصري» من دور المجموعات لنادي صن داونز الذي اقتنص من الهلال السوداني تعادلاً شبه مستحيل، في مباراة أهدر خلالها الهلال ضربة جزاء في الوقت المحتسب بدلاً من الضائع، ضربة جزاء لو لم يُضِعْها لاعب الهلال أطهر الطاهر، لكان الأهلي اليوم في عداد «المقصيين».
واختلفت مع الذين باعوا جلد الأهلي بأبخس الأثمان، ورأوا في موسمه الأفريقي الجديد تكريساً جديداً للإخفاق، فما علمتني إياه كرة القدم أن الكبار يمرضون ولا يموتون، وأن ذوي السوابق التاريخية، يملكون قدرة على المرور من النقيض إلى النقيض، وهكذا صور لنا الأهلي نفسه، وهو يخرج من دور المجموعات، أسداً داسوا على ذيله، فظنوا أنه يبتسم، والحال أنه كان يحضر لوثبة قوية جداً، لزئير يهز الدنيا.
تخطى الأهلي الرجاء المغربي في ربع النهائي، بشخصيته ومرجعيته وصدى الأسطورة المتردد بداخله، وعندما حكمت عليها جدولة المسابقة بمواجهة الترجي الرياضي التونسي أحد «حيتان» دوري الأبطال، استحضر كبير القارة الأدوات الممتلكة له، وحقق الفارق الذي يرجوه الجميع، الفوز على الترجي على أرضه وبين جماهيره بثلاثية نظيفة، وما عاد ممكناً الحديث عن تخلف الأهلي المصري عن المباراة النهائية، لأن الترجي يحتاج إلى ملكات خارقة لتحقيق «الريمونتادا»، وتلك الملكات لا رجاء ولا أمل فيها للترجي.
وفي نصف النهائي الآخر، يقف ماميلودي صن داونز، بعد التعادل «الأبيض» أمام الوداد المغربي بمركب النار في الدار البيضاء، مرشحاً قوياً ليكون طرفاً في النهائي الحلم، فإن وجدنا في الوداد نوعاً من الجسارة لمغالبة الظروف، كان ماميلودي صن داونز مشروع بطل، بالنظر إلى أدائه الجماعي المتميز، وبالنظر إلى وجود مقاربة تكتيكية جديدة، تنقل الفريق إلى مستويات متقدمة في تمثل كرة القدم الحديثة، كما تقدمها لنا «القارة العجوز».
ولئن بدا صعباً على الترجي، وهو المنتقل إلى القاهرة لإجراء مباراة الإياب، أن يحقق «الريمونتادا المستحيلة»، فإن الوداد لا يبدو بتعادله «الأبيض» بالدار البيضاء في مباراة الذهاب، قد فقد كل الحظوظ في التأهل، فهناك بالتأكيد «ذرة» أمل ترى بالعين المجردة، والقبض عليها يحتاج من «فرسان الوداد» لمباراة بـ «صفر» خطأ، وبقدرة رهيبة على اختراق الأدغال، وبشجاعة كبيرة على كسر المستحيل.
ما بين أن يتكرر علينا نهائي الموسم الماضي بين الوداد والأهلي، وأن نعيش نهائياً للتاريخ بين الأهلي وصن داونز، هناك شعرة معاوية.