- «في ناس تلقاهم منتفخين، على شو؟ ومن شو؟ وشو له؟ -لا تعتقدونها لغة صينية- تراها من حديثنا، المهم ما تدري «هل كيف هم هالشكل»! وهذه الجملة الأخيرة روحها متعوب عليها، يعني نحن ما صدقنا تخلصنا من قوم بو زند وفانيلة وسيعة، وبعد مطرطرة، قال علشان تظهر تلك العضلات المقوسة، الحين الناس المنتفخون، تلقى الواحد منهم مثل قوسة السح، صَبّة وحدة، ويد الكندورة يوم يلبسونها يضيقونها بالعمالة، قال علشان بطل، وتلقى مشيته مثل مشية البطريق المستريح، مثل هؤلاء يمكن يفزعون لك في ساعة حاجة؟ أو يمكن أن يغيثوا الملهوف؟ أو يساهمون في إطفاء حريجة في الحارة؟ أو أقلها يحطبون ويتعبون في عرس ولدك؟
- وأنت تحوط في معرض الكتاب، ترص عيناً، وتفتح عيناً أخرى، علشان تصطاد كتاباً مختلفاً أو مدهشاً من بين رفوف الأجنحة، تلقى بياعين كتب، وليس مكتبيين أو ورّاقين من الذين كانوا ينقشون الكتاب الجميل وينصحونك باقتنائه، هؤلاء الباعة الجدد مساكين، يريدون بيع كتب لم يقرؤوها لأناس عميت عيونهم من القراءة، فتجد الواحدة وهي تقترح على «شيبتك» الورعة، قراءة الكتاب الأكثر مبيعاً عن «خواطر أنثى» أو الواحد وهو يقترح عليك كتاباً أدبياً كلاسيكياً بغلافه الجديد وحروفه البارزة اللامعة بريقاً، مثل رواية «فيكتور هوغو»، «البؤساء» كنت قد قرأته وأنت في الصف الثاني الإعدادي ثلاث مرات، والمهذب من باعة الكتب لا المكتبيين، تجده يفرد لك سؤالاً أشبه بالسجادة العجمية: «ممكن تقول لي اهتمامك يا أستاذ، علشان أساعدك! وأنت لو عرفت اهتمامك لاسترحت، وأتعبته، وهو لو قدر أن يساعدك فستتبعه لتتعبه».
- «في نساء من البذر الجديد، حين ترى الواحدة في أروقة معرض الكتاب بتلك الملابس البرّاقة وألوانها الجذابة، تشعر أنها جاءت خطأ للمكان أو أن المكان لم يستطع التعرف عليها بشكل دقيق، يعني هي أقرب لعمل التلفزيون والكاميرات واستعراضات الأزياء، وشغل حناء وكحل، وتصوير الأكل في المطاعم، والقهوة والآيس كريم في المقاهي، يعني كم رواق أو جناح كتب يمكن لصبية أن تمر به وتدور عليه بذلك الكعب العالي؟ نحن وأعني بنحن جيل الطيبين من المثقفين الملتزمين والجادين أكثر من اللازم، حتى أن بعضنا كان يعتقد أن كثيراً من الضحك عيب، وقلة مروءة، ظللنا نحوط معارض كتب في كل مدن الدنيا، وكل الذي كنا نراه من القارئات ومرتادات الندوات وأجنحة الكتب نساء الواحدة منهن عن ثلاثة منا، إما شعر منفوش مجعد، ولم يعرف المشط له مسلكاً أو أم نظارة مغبشة تقليدية التي تلبسها الجدات عادة في آخر عمرهن، وحين يلزمهن طبيب العيون آمراً للحفاظ على نظرهن المتبقي، كل المثقفات القديمات بنطال عسكري أخضر أو خاكي، وحذاء لا يعترف بالأنوثة، وجاكيت جلدي أسود متهدل من كثرة الاستعمال، متأبطة خمسة كتب، وتدوخ سيجارة كل حين مع فنجان قهوة سوداء، وتأتي وهي تحمل في قفصها الصدري احتجاجات واعتقادات ثورية، نحن الرجال نخاف منها، ونخاف أن نرافقها بعد انتهاء الندوات، اليوم.. حين أرى عارضات الأزياء وهن ينتقين كتباً رفيعة وملونة، بتلك الأظافر الطويلة المُشَكَلة، وهن عادة «يحبن الضولة» وركن توقيعات صديقاتهن، أضحك من خاطري، ليس عليهن، بل علينا، كم كنا «عميان»، وطهرانيين، وحظنا كحيان، وكأن أمهاتنا دَعنّ علينا، لا دعنّ لنا!».