نتأمل المشهد الثقافي في الإمارات، ونقرأ خريطة الإبداع، نرى حلماً زاهياً يقتحم حياتنا بحنان ونرى الثقافة مثل أجنحة ترفرف فوق رؤوسنا، تشدها النسائم المخملية نحو فضاءات تضاهي النجوم، وتقف عند باب الشمس، فتصبح الأجنحة أشرعة، والثقافة سفن الغوص تلج الخليج بمشاعر الفرح، والتفاؤل.
الثقافة في الإمارات محظوظة بقيادة تهتم بالثقافة، كاهتمامها ببنية الوطن، ومائه، وبيئته، قيادة تتلمس الحاجة بمشاعر الحب والود، وتعمل بكل الطاقة، ووفاء وإخلاص، لأن تسير الثقافة، في موكب الحياة، متوازية مع ركب السياسة، والاقتصاد.
قيادة لها في تعزيز المفاصل، وترسيخ الفواصل، ورفع منسوب الوعي، دور محوري، في حياة الإمارات عامة، والمثقف الإماراتي خاصة.
اليوم ونحن نجول في معرض أبوظبي للكتاب، نشعر أننا في نزهة ثقافية، والحديقة، هي هذه الأجنحة التي تطير بأوراق، تشبعت بحبر اللواعج، وفاضت بفكر، وسبر، وخبر، وعندما تشاهد الأطفالَ ينعمون بكم هائل من كتب الأطفال، والكبارَ منهمكين في البحث عن كتب تشبع رغباتهم، وتدلهم على ضالتهم، تشعر أنت المتأمل لمشهد يتكرر في كل سنة، وفي كل سنة، ترى فيه المزيد من دور النشر، وتجد المزيد من الوجوه، تلج محيط المعرض بشغف، القراءة، وحب المعرفة.
والقيادة تراقب عن كثب، وتتابع الحدث الثقافي عن قرب، والشعور بالفخر، يزيد من دوافع القيادة الرشيدة في الدعم المالي لتعزيز الركائز، وتوثيق العُرَى، ولكي تمضي القافلة من دون معوقات، ولا عرلقة. 
فلا شك أن المشهد عظيم، والواقع الثقافي يعبر عنه ذلك الزخم من المحاضرات، الأمسيات، والندوات والتي تعبر عن متانة العلاقة بين الكتاب، وما تدخره الذاكرة البشرية من معرفة، تسدي بها إلى العالم من خلال هذه النشاطات الثقافية. في المعرض وجوه تلتقيها، وعلى جباهها ترسو بشائر الخير، تعبر عنها الابتسامات المشرقة وهي ترفرف مثل أجنحة الطير على الوجنات.
في المعرض أنشطة مختلفة، ومتنوعة، تضيء ليالي هذا الحفل الثقافي البديع، وتنثر الجمال في ربوعه، حتى بات الإنسان يفكر، كيف ستصمد العيون ولا تذرف الدمعة بعد إغلاق الستارة، وانتهاء الحفل.
لا شك أن هذا المعرض، هو سيمفونية تعزف لحن الخلود للكتاب، والذي قيل عنه إنه سيختفي لمجرد بروز الكتاب الإلكتروني، وهذا ما لم يحدث ولن يحدث، لأن للكتاب رائحة الشجرة، ولأن للكتاب عطر الزمن الرائج جمالاً وروعة، ولأن الكتاب تدعمه أيد أمينة، وتعزز مكانته قيادة رشيدة.
وأنا في المعرض، وبين ضفاف الأجنحة، أفكر، ماذا بعد المعرض؟ ألا نحن بحاجة إلى أكثر من معرض؟ ألا نحتاج إلى مكتبة متجولة في جميع مدن، وقرى الدولة؟ لأن للكتاب حضوره الخاص، عندما تشتعل شموع الفرح في أفئدة العشاق، وعندما ترفع قناديل النور في عيون من قطعوا المسافات لكي يقتنوا هذه الزمردات المصفوفة على أرفف الأجنحة، إنها العبق وإنها الشوق، والتوق، والحب الذي لا يخفت نبراسه، ولا يجف ريق بحره، ولا يكف عن الوشوشة في الأسماع.