كان ياما كان قبل ستة وعشرين عاماً ولدت علياء من أب ولد وترعرع في الشندغة، وأم حملتها رياح القدر من إمارة أم القيوين إلى منطقة جديدة في دبي تسمى ند الشبا. علياء الصغيرة كنا نغني لها كل ما جادت به الذاكرة من أهازيج الأطفال، وكانت تبتسم ويزداد في قلوبنا حبها. ثابرت علياء حتى أنهت دراستها الثانوية ثم التحقت بجامعة الشارقة لتعاني وتصر وتجتهد فتخرجت «مهندسة نووية»، فرحنا بها كثيراً، فهي تحقق مبتغاها بهدوء وإصرار وحب لهذا الوطن. ثم قررت العودة لإكمال دراستها للحصول على درجة الماجستير التي ستنجزها في الشهر الثاني من العام المقبل. لا تتذمر ولا تشتكي، بل تعمل وكلها أمل بأن القادم أجمل.
يغني لها والدها:«علاية ياعلاية.. سقت عليك الماية ياعلاية».. تضحك وتقول لأمها:«سأذهب إلى نادي الرياضة ثم أرافقك إلى الخياط»، صفت قطع القماش التي تريد خياطتها ووضعتها في كيس ثم حملت حقيبة الرياضة وهرولت إلى الخارج. بعد ساعتين وقد أدركهما الوقت تتصل بها أمها.. وكذلك والدها بلا رد.. ثم يرد عليهما من كان في حالة هلع ليقول لهما بأنها في المستشفى. يسرع والدها الذي قال لي:«عاشة.. ما أدري شقايل وصلت المستشفى.. كل اللي كنت أشوفه عقوص بنتي يوم كان عمرها سبع سنوات»، في المستشفى ترقد فتاة وكأنها البدر في تمامه، وقد تدلت منها أسلاك ومضخات وأدوات طبية لا نعرف هدفها ومبتغاها من هذه العذراء. نريد أربعاً وعشرين ساعة وسنعرف المصير، قالها الدكتور المعالج بكل اقتضاب. يتصل بي والدها ويقول:«عاشة.. هي بين الحياة والموت»، تهرول العائلة المنكوبة إلى المستشفى، الصلاة، الدعاء، الزكاة.. وتوزيع العيش.. بعد انقضاء ثمانٍ وأربعين ساعة.. يرن هاتفي عندما تطابق الوقت مع الشهر والسنة، وسمعت والدها ينحب قائلاً:«عاشة.. لقد خسرنا علياء!»
لا وقت صرت أعرف ولا مكان كان لي فيه جسد ولا روح ترى العالم بعين الحياة.. ولا منطق يترجم لنا ما حدث. كيف تغرق علياء وهي من يتسابق مع بنات صفها وتتجاوزهن عند خط النهاية.. كيف ذلك وأجدادها من الغواويص والبحارة وأهل البحر من استووا على الأرض ويعرفهم القاصي قبل الداني. جاءت أنفاسي سعيراً ووهجاً لا ينطفئ. عندما عاد الرشد قلنا الحمد لله سمعاً وطاعة وكلنا إيمانٌ بالله وقضائه وقدره ويقيننا بالله أن كتب لها الشهادة فعن أبي هُرَيْرةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «الشُّهَدَاءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ، وَالمبْطُونُ، الغَرِيقُ، وَصَاحبُ الهَدْم وَالشَّهيدُ في سبيل اللَّه». 
للعارفين أقول: اسم علياء يجسد المعالي، والمكان السامي المشرف، والشرف، والمجد، ورأس الجبل، ويعني السَّماء ويراد به مرتبة في العلم والمعرفة. جعلها الله في علا وصبر والديها على هذا المصاب الجلل وألهمنا وإياهما السلوان.