تربطُ منديلها الأحمر على شعرِها وتخرجُ في الريح والمطر بحثاً عن الطريق. نعم، الطريق الذي ظلت لسنوات تنظر إليه من النافذة، ولكنها لا تعرف إلى أين يؤدي وفي أي اتجاه ستأخذها تعرجاته. وهي، بعد أن قررت الخروج من غرفة التردد، لم يعد يهمها الآن نهاية الطريق كيف ستكون، وكل ما تمنته هو أن تكون هناك بداية جديدة لحياتها الرتيبة. كأن تضع قدمها في أول خطوة على درب رحلة تنقلها من الصمت الذي تسكنُه، إلى رحابة الكون الفسيح. نعم، هكذا وبكل بساطة، ذهبت في اتجاه واحد لا عودة منه بعد الآن. والغريب أن قلبها صار يخفق لأول مرة بأحاسيس هي خليط ما بين الشعور بالحرية والشعور بالطيران وبالتخلص من الحبال والخيوط التي كانت تشدّها إلى الأسفل. لكن الأغرب حقاً، أنها كانت تؤمن بيقينٍ مطلق، أنها ستلتقي بالرجل الذي تمنته، ربما في منتصف المسافة، وصارت تظن أن اسمه سيكونُ أحمد، وسيكونُ محوطاً هو الآخر بجدران وهميةٍ وربما عصبوا عينيه كي لا يرى الحقيقة ويظل يلاحقها إلى الأبد.
هذان البطلان، وأقصد الفتاة التي اسمها رؤى والفتى الذي اسمه أحمد، سيلتقيان حتماً في الرواية التي سيكتبها مؤلف ضرير، لكن قلبه يرى كل شيء. وسيُذاعُ نبأ أنهما تحررا بإرادتهما ولم ينتظرا عوناً من صديق أو هبةً. وسوف يأتي شعراء من كل الأزمنة ليكتبوا قصة عناقهما على الجسر الفاصل بين الخوف والحرية. في تلك اللحظة، ستفلُّ الفتاةُ منديلها الأحمر وترميه علماً في سماء الحالمات بالخلاص من الضجر. وسيرفعها أحمد بذراعيه عالياً كلاعبٍ يحمل كأس انتصاره على الزمن. هكذا فقط ينبغي لرواية عن الحب أن تُسرد في آذان الصغار منذ المهد.
يأتي رجالٌ كثيرون ليطرقوا بيتها في اليوم التالي. وحين يصدّهم الباب بصمته الطويل، يُدركُ أكثرهم، أن الانتظار هو قتلٌ متعمّد لطائر الأمل! وأن الزمن، إذا أردنا استمراره، هو تلك اللحظة التي نتجرّد فيها من وهم أننا عالقون في المكان الضيّق، أو أننا مجبرون على التكيّف مع ما يحيطُ بنا حتى لو كنّا لا نطيقه. وبالفعل، سيقع هؤلاء الرجال في حسرة أنهم خسروا أجمل امرأة في العالم، عندما لم تبادر قلوبهم باتخاذ الخطوة الأولى لطرق بابها حين كانت بانتظارهم، بينما هي، تلك الفتاة التي اسمها رؤى، صارت الآن نسباً لكل بطلة في روايات العشق والحرية.