اصطففت في أحد أربعة طوابير يزيد عدد الأفراد في كل صف على أكثر من ثلاثين شخصاً، يتحركون بشكل متوازٍ للوصول إلى كابينات ختم الجوازات في أحد مطارات الدول العربية التي كانت بطيئة. بدا الأمر عادياً إلى أن جاء أحدهم ليقف بمحاذاة رجل كان يقف أمامي، فأخبرته بأننا نقف منذ وقت في هذا الطابور وعليه اللحاق بآخره، فأجاب أنه كان يقف مع صديقه منذ البداية، فسألت منْ أمامي: هل تعرفه؟ فاكتفى بالرد بهمهمة، فعدت وتحدثت بطريقة حازمة، هل كان يقف معك منذ البداية؟ فأجاب بخجل: لا. فتوجهت للرجل بأن يعود للخلف، فإذا بهذا المتطفل يلوح بذراعه منزعجاً تاركاً مكانه، غير أنه وبكل جلافة توجه إلى الطابور الموازي واندس بين المصطفين بنفس الطريقة.. ولكنه بقي في مكانه لم يردعه أحد.. وهذا ما أثار حفيظتي! في بعض دول العالم، يعد هذا التصرف جرماً يعاقب عليه القانون حسب هيئة النقل في لندن -على سبيل المثال- ورغم اعتقاد البعض أن هذا الأمر مبالغ فيه، فإنه دليل على احترام حقوق الآخرين في الحفاظ على وقتهم الذي قضوه في الانتظار، فالوقت قيمة يعرفها الجميع، ولكن بعضهم لا يتعاطى معه بجدية. كما أن هذه القيمة تضيع في أوجه أخرى غير واضحة -للأسف- عند البعض، كأن يعتقد أحدهم أنه بوقوفه في الصف يمكنه أن يسمح لمن أراد بأن يتقدمه، حتى لو بدافع إنساني، دون استئذان من هم خلفه، فأن تترك مكانك تماماً لآخر أو تبادل مكانك مع شخص آخر في الطابور نفسه فهذا مسموح ولا يتعدى على حق من خلفك، أما أن تسمح لأحدهم بأن يتقدمك فهذا اعتداء واضح على حقوق كل من هم خلفك، كونك ستتسبب في تأخيرهم من دون استئذان أو سبب طارئ.
الوقوف في الطابور له لائحة آداب، وإن كانت غير مكتوبة، يمكن توقعها بسهولة عندما نسأل أنفسنا: ما الذي يزعجنا عندما نقف في طابور ما؟ لنعرف تماماً ما علينا تجنبه لعدم إزعاج الآخرين. هناك قائمة طويلة يمكن أن يضعها أي أحد إذا تحدثنا عما قد يزعجنا في الوقوف في الصفوف التي نضطر للتعامل معها يومياً خارج بيوتنا، كعدم تحلي الآخرين بالصبر والتأفف علناً وعدم ترك من هم خلفنا مسافة مناسبة، وكذلك عدم مراعاة من هم أمامنا لنا بحركتهم المفرطة ومضايقتهم لنا بما يحملونه خلف ظهورهم. وكذلك التحدث عبر الهاتف بصوت عال أو ترك أحدهم هاتفه يصدح بما فيه دون وضع سماعة أُذن غير مبال بمن حوله! القائمة تطول وعلينا توقع انزعاج من حولنا إن قمنا بهذه التصرفات غير المتحضرة، ولكننا في أغلب الأحيان قد لا نبدي ردات فعل حول حدوثها، ولا أعلم جدوى سلبيتنا هذه سوى استمرار هذه الانتهاكات غير اللائقة، وكذلك زيادة عدد مرتكبيها.. ألا تتفقون معي؟