أعودُ بين فترة وأخرى لتذكّر قائمة الأسماء الشعرية الكثيرة التي نشرت نصوصها في الملاحق والصفحات الثقافية في فترة الثمانينيات، وأحاول بأكبر جهد ممكن، البحث عن إجابات شافية لاختفاء الكثير منهم ومنهن، إلى درجة أننا لو وضعنا نسبة من استمروا حتى الآن من ذلك الجيل فلن يصلوا إلى نسبة 10% فقط، فيما اختفت بقية الأسماء وتلاشت في نسيان الزمن. والرائع، أن جيل أدباء الثمانينيات في الإمارات، كان بشكلٍ ما هو الجيل الذي أتيحت له فرصة النشر والظهور الإعلامي الواسع صحفياً، في حين أن الجيل الذي سبقه من شعراء مراحل الأربعينيات وما بعدها لم تتوفر له الصحافة اليومية المطبوعة.
كانت الساحة الثقافية في الإمارات، وبالأخص المنابر الصحفية، تقدم جميع الأصوات الإماراتية الشابة من أصحاب التجارب الأولى، إلا أن هذه الأسماء لم تستمر طويلاً ولم تتمكن أيضاً من إصدار نصوصها في كتاب. وهناك من استمروا بقدر بسيط من النجاح وقدموا مجموعة شعرية واحدة أو اثنتين، وقلة قليلة فقط الذين تمكنوا من مراكمة تجاربهم الشعرية واستمروا إلى اليوم.
وما أود طرحه في هذا السياق هو الرصد التاريخي للتجربة الشعرية في الإمارات. وفي حال تصدّى أحد لتقديم قراءة شافية عن تطور القصيدة لدينا خلال القرن العشرين، هل يمكنُ أن تُدرج أسماء الشعراء من أصحاب التجارب الوحيدة الذين قدموا بضعة نصوص في الصحافة ولم يجمعوها في كتاب؟ وربما ظلت نصوصهم حبيسة الأدراج حتى الآن.
أحد الجهود المشكورة حقاً في هذا الصدد هو المشروع الذي بدأه الباحث بلال البدور بعنوان «موسوعة شعراء الإمارات» حيث قدم الجزء الأول عن الشعر العمودي، ولكنه لم يستكمل المشروع بالأجزاء الأخرى المتبقية حتى الآن. وما يهم في هذا السياق هو التفات البدور إلى شعراء القصيدة الواحدة وحرصه على تدوين تجاربهم باعتبارهم نظموا القصيدة العمودية بتمكّن، وقدموها ونشروها، ولكنهم لم يستمروا بعد ذلك في مشروعاتهم الشعرية. وكان البدور يلجأ إلى المجلات والمطبوعات الأولى التي نشرت هذه القصائد لاستخراج مادته منها. وأظنه حصل أيضاً على قصاصات ومخطوطات كتبت باليد لقصائد لم تنشر أيضاً.
والحالُ هذه، تنطبق أيضاً على كتّاب القصة القصيرة، فقد تم جمع بعض هذه القصص في كتاب «القصة اليتيمة في الإمارات». وفنانون كثر أبدعوا لوحاتهم الأولى ثم اختفوا، ومسرحيون وممثلون وممثلات ومبدعون في المجالات كلها.