كانت دولة الإمارات أول دولة عربية تعلن حالة مؤكدة لفيروس كورونا المستجد، وأضحت الإمارات واحدة من أفضل عشر دول في العالم في التعاطي مع هذه الجائحة والفضل بعد الله يعود إلى القرارات الناجحة التي صنعتها قيادة وطنية فاعلة جعلت الدواء والغذاء خطا أحمر، وأمنت للناس في مجتمع الإمارات على كافة أطيافهم سبل السلامة والسعادة. وكانت منظومة التعليم في الإمارات من أرقى الأنظمة في سرعة التكيف مع متطلبات السلامة للتلاميذ عندما صدر قرار واضح بالانتقال الفوري للتعلم عن بعد، ومضى العام الدراسي المنصرم بنجاح عام تشكر عليه الجهات المختصة وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم وإدارات التعليم المختصة.
بعد تجربة العام الماضي الناجح،, توقع المجتمع أن يبدأ العام الدراسي الحالي بصورة أفضل مما هو عليه، فقد كان لدى الجهات المختصة فترة مناسبة من الزمن لدراسة كافة المتغيرات وصناعة القرار المناسب، بيد أن المفاجأة تتلخص في أن القرارات جاءت بصورة فيها بعض الديمقراطية المبالغ فيها، وبالذات في إطار المدارس الخاصة، حيث أعطيت المدارس صلاحية اختيار الأسلوب المناسب للتعليم، والذي بالإمكان تلخصيه في أسلوبين: التعلم عن بعد أو التعلم الهجين، مع السماح للأسر باختيار نظام التعليم الذي يرونه مناسباً لأبنائهم. شخصياً لا أرى أن اختيار نظام التعليم ينبغي أن يخضع للتصويت فهو قرار سيادي غير ديمقراطي، وهذا ما رأيناه في أعرق الديمقراطيات في العالم كالمملكة المتحدة ودول أوروبا وأميركا، ومن حق الجميع أن يسأل: لماذا لا يكون اختيار نظام التعليم ديمقراطياً؟ تتلخص الإجابة عن هذا السؤال في عدة متغيرات منها: 
واقع الممارسة في دول العالم بما فيها الدول الديمقراطية، وقد قال رئيس الوزراء في بريطانيا «معاودة فتح المدارس في سبتمبر ضرورة اجتماعية واقتصادية وأخلاقية»، فلا يستطيع مجتمع أن يشعر فيه الناس بعودة الحياة من جديد والمدارس معطلة، ومن هنا تتلخص الشجاعة الأدبية في حسن صناعة القرار وتحمل نتائجه بعد الأخذ بكافة متطلبات النجاح في صناعة هذا القرار، مع الاستعداد لتغير القرار وفق المستجدات.
اختيار نمط التعليم إنْ كان عن بعد له قرارات مصاحبة مرتبطة به منها على سبيل المثال: قرار السماح بالعمل عن بعد لأولياء أمور التلاميذ، فهل نحن جاهزون لاقتصاد يعمل جل الناس فيه من بيوتهم؟ ماذا عن رسوم المدارس الخاصة؟ هل من حق الأسر التي يتعلم فيها التلاميذ عن بعد المطالبة بتخفيض رسوم التعليم لأكثر من النصف لأن المدرسة عمليا لا تقوم بأكثر من عرض المواد المعدة سلفا عن بعد وتخصيص بعض الحصص للتفاعل مع التلاميذ، لكن الدور الأكبر في واقع الأمر ستقوم به الأسر وبالذات في مراحل التعليم الابتدائية؟ كما أن التعليم عن بعد يتطلب تأمين الأجهزة المناسبة لكافة التلاميذ وضمان قوة شبكة المعلومات في كل بيت، فهل نطلب من مزودي خدمات الاتصالات في الدولة تخصيص باقة قوية مناسبة لكل بيت بأسعار مدعومة، وأخيراً ماذا عن جودة نتائج التعليم عن بعد كيف نضمنها؟
*أكاديمي إماراتي