تسبب انفجار الرابع من أغسطس الذي دمر قطاعات من بيروت في مقتل مئات وإصابة وتشريد وترويع الآلاف. وبعد أقل من أسبوع، استقال رئيس الوزراء اللبناني حسن دياب ومجلس وزرائه ملقين باللائمة في الكارثة على «الفساد المزمن في السياسة والإدارة والدولة». وتشير أبحاثي إلى خط مستقيم يمتد من هذا الانفجار إلى الفساد والمحسوبية اللتين وصمتا السياسة في لبنان بعد الحرب. فالنظام السياسي الحالي يستفيد منه الحشد السياسي على أساس الهويات الطائفية مع استخدام السياسيين لموارد الدولة للحفاظ على ولاء أنصارهم. ومنذ فبراير، سارت حكومة دياب وفق هذه الخطوط المعتادة مما أدى في نهاية المطاف إلى فشلها في الاتفاق على كيفية لمعالجة المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة. 
وتُبرز استجابة الحكومة غير المنظمة على الانفجار مدى قدرة نظام تقاسم السلطة اللبناني على إدامة نظام سياسي مصاب بعدم حراك مؤسسي والافتقار إلى الشفافية والمحاسبة. وفشل السياسيين الأفراد ليس مربط الفرس بل المهم هو فهم الأمراض الكامنة داخل النظام السياسي اللبناني. وعدم الكفاءة التي كشفها تخزين المواد المتفجرة في ميناء بيروت يعد رمزاً للضعف المؤسسي العميق للدولة. وهذه المشكلات لا يمكن معالجتها بسهولة من خلال إصلاحات سياسية تقليدية. 
وتاريخياً، لم يكن هناك شيء محتوم في ظهور دولة لبنان في سبتمبر 1920 على حدودها الحالية على يد السلطة الاستعمارية الفرنسية. فقد كانت الحدود تخدم في الأساس المصالح الاستعمارية الفرنسية وتلبي طلبات الكنيسة المارونية لإقامة دولة لهم وسط بحر الجماعات المسلمة. كما لم يكن من المحتوم، بعد استقلال لبنان عام 1943، ظهور الهويات الطائفية باعتبارها الصانع الأساسي للهوية السياسية والحشد. وتلاقى «الحشد من أعلى» من المسؤولين الاستعماريين والنخب الطائفية متبوعاً بـ «الحشد من أسفل» من الجماعات المهمشة التي تطالب بحقوق قانونية أكبر وحرية قرار إقليمي ليجعل الهويات الطائفية هي هياكل التحفيز المهيمنة لكنها ليست الوحيدة في التمثيل السياسي وتخصيص الموارد في لبنان. وتجلت النتيجة في ترتيبات مقاسمة السلطة بين النخب حابت النخب الاقتصادية السياسية المسيحية في توازن السلطة الطائفي. 
وانتهت 15 عاماً من الحرب الأهلية عام 1990 بحماية اتفاق تقاسم سلطة جديد بين النخب يعيد توزيع المناصب السياسية وفقاً للحصص الطائفية المقررة سلفاً في إطار التساوي بين المسيحيين والمسلمين. وأصبح قادة ميليشيات الحرب سياسيين يستغلون التمثيل السياسي وإمكانية الدخول إلى الموارد لصالح الطائفة. وظهرت نخب أخرى بعد عام 1990 تحلم بإعادة الإعمار الذي انتهى به الحال إلى ترسيخ فساد منهجي وتدمير مؤسسات الدول وسوء الإدارة المالية وعدم المحاسبة السياسية. 
وحولت النخب السياسية وزارات الحكومة إلى شبكات زبائن مقسمة وفقاً للأحزاب الطائفية ومقاومة للشفافية السياسية. وأصبح كل جزء من القطاع العام محصناً في هذه الشبكات بما في ذلك قطاعات التعليم والصحة والقضاء والأمن والمال. وضرب الاقتصاد السياسي للطائفية بجذوره رابطاً بين النخب الطائفية بأنصارهم وحصل على تمويله من تفاقم العجز في الميزانية ومعدل غير مستدام للنسبة بين الديون والإنتاج المحلي الإجمالي. 
تطبيقات النظام الطائفي لما بعد الحرب منعت ظهور بدائل سياسية، كونها استخدمت مزيجاً من الحوافز المادية والشيطنة الأيديولوجية والمداهمات القانونية أو القوة الوحشية. وقوة هذه النخب السياسية تتجاوز القطاع العام والنظام السياسي الرسمي لتعرقل تأثير النقاط البديلة للمعارضة السياسية الاقتصادية الاجتماعية، كاتحادات العمال ونقابات المهنيين. وهذه الممارسات شوهت الحوافز للإصلاح ورسخت وأعادت إنتاج الهويات الطائفية وطرائق الحشد. وفشل كل مسعى لحشد ضغط واسع النطاق من أجل التغيير في إنتاج بدائل للنظام القائم. وهناك جماعات معارضة ناشئة لديها أفكار جديدة طالبت بتشكيل مجلس وزراء مستقل بامتيازات تشريعية خارج الدستور لإدارة مرحلة انتقالية نحو تأسيس دولة مدنية غير طائفية. ولكنها وجدت صعوبة في جمع ائتلاف واسع النطاق وواجهت تحدي النظام السياسي الطائفي الذي يحمي نفسه. 
ويمثل «حزب الله» وهو لاعب سياسي مهيمن وميليشيا عسكرية قوية نشطة في داخل البلاد وخارجها تحدياً خاصاً. واصطدمت مطالب سياسيين محليين وأطراف خارجية، وخاصة الولايات المتحدة، ب«حزب الله» كي يسلم أسلحته أو الضغط لاستبعاده من الحكومة، بوقائع تقسيم السلطة على أرض الواقع. 

* أستاذ العلوم السياسية المساعد بالجامعة الأميركية في لبنان. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»