تبدو نذر الصدام عالية بين أنقرة وأثينا، حيث تحتشد القومية التركية بكل أطيافها، بما فيها الكمالية التقليدية، مقابل إصرار يوناني بروح القومية في قضايا الحدود والموارد الطبيعية في بحر إيجه، وشرق المتوسط. وبينما تدعم فرنسا اليونان وقبرص بقوة من أجل مصالحها المرتبطة بالموارد ونفوذها في شمال أفريقيا المتصادمة مع تركيا، تبدو ألمانيا قلقة على المنظومة الأوروبية، في حين تبتهج روسيا على الوهن الأوروبي وانكشاف مظلة الناتو. وعلى الجانب الآخر والمهم، تثير واشنطن التي لها قواعد عسكرية على أراضي طرفي النزاع «اليونان وتركيا» صوراً متضاربة في الأزمة، من اشتراك قواتها في مناورات تركية، ثم رفع حظر بيع الأسلحة عن جمهورية قبرص، وقبل ذلك إرجاء تجميد مشاركة تركيا في تصنيع «أف-35» حتى 2022، الذي يبدو رداً على شراء أنقرة منظومةَ الدفاع الروسية «أس 400»، وهو ما قاد إلى تنسيق تركي مع قبرص الشمالية في مناورات بحرية. وكل هذه المناكفات بين أنقرة وواشنطن لا تلغي حقيقة أن تركيا تعدُّ أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة، فعندما نختبر العلاقة بينهما، عبر سياق البعد التاريخي المقارن الحديث والمعاصر، نجد أن جوهر العلاقة تعاونية تتخللها بعض المنازعات والصدامات.
بعدما همشت واشنطن الدور والتنسيق مع أنقرة في تسوية أزمة الصواريخ الكوبية «1962-1963»، أتت رسالة الرئيس الأميركي «ليندن جونسون» متصادمة مع القومية التركية 1964، بأنه لا يمكن استخدام الأسلحة الأميركية، حسب الاتفاقيات في قضية قبرص. فاستدارت تركيا إلى تحسين علاقاتها الدولية، خاصة مع الاتحاد السوفييتي، وتقوية صناعاتها الحربية، واتخاذ موقف في حرب أكتوبر 1973 بعدم استخدام القواعد العسكرية الأميركية ضد العرب، ثم كسرت محددات دورها، بتدخلها العسكري في قبرص عام 1974، لترُد واشنطن عليها بحظر المبيعات والمساعدات العسكرية الأميركية، فإذا بتركيا تضع قيوداً على التعاون الدفاعي مع واشنطن، باستثناء الشؤون المتعلقة بالناتو.
ومع الثورة الإيرانية ودخول الاتحاد السوفييتي إلى أفغانستان، أعادت واشنطن -التي كانت سبباً رئيسياً في الاضطرابات الداخلية التركية في السبعينيات- علاقاتها بصورة قوية مع تركيا، بانقلاب عام 1980، بقيادة الجنرال كنعان إفرين، وحفزت أيضاً على دعم اليقظة الإسلامية بروح القومية التركية لصد الشيوعية. ولكن عاد التوتر في العلاقة بين الطرفين «الأميركي والتركي» بعد الدور المحوري في تحرير الكويت، حيث برزت القضية الكردية في الشمال العراقي، وحاولت واشنطن تقليل أثر ذلك، وتتويجاً للاتفاق الأمني التركي الإسرائيلي عام 1996، ساهمت في القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في كينيا عام 1999، وعدم تحريك الملف الأرمني في الكونجرس. وبدت تركيا في ريبة كبيرة من سياسات واشنطن في الشرق الأوسط بعد احتلال العراق ومشروع الديمقراطية بالشرق وإحياء القوميات، حيث وقفت بميول محدودة مع محور المقاومة في الشرق الأوسط، وتحركت نحو دعم القضية الفلسطينية وتعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع العالم العربي، مع مساندة إيران في ملفها النووي، وكونت علاقة اعتماد متبادل مع حكومة أربيل، إلى جانب ذلك تنامت العلاقات مع موسكو. 
ومع مآلات وتحولات الربيع العربي، أصبحت الولايات المتحدة الأميركية أكثر ارتباطاً بالدور التركي على طاولة لعبة المصالح المشتركة، وهذه المرة في أزمات أججتها تركيا في ملفات مثل سوريا والعراق والملف الكردي، الملف الليبي، والموارد والحدود في شرق المتوسط وبحر إيجه وربما تقويض الدور الفرنسي، وربما تكون تركيا عاملاً في عدم استقرار منطقة آسيا الوسطى، وهناك من الملفات مثل الحد من تنامي العلاقة مع روسيا والصين، وتوتر العلاقات التركية مع بعض الدول العربية. 
ونخلص إلى أن واشنطن في هذه الأزمة ستجد حلاً مُرضياً لطرفي الأزمة، وستُمكِن أنقرة من مصالحها وتنامي قدراتها، لكونها حليفاً انتهازياً لا يمكن الاستغناء عن دوره.
* كاتب ومحلل سياسي