أنهيت مقالة الثلاثاء الماضي، التي علقت فيها على التطورات الليبية الأخيرة بالقول: «وهكذا يبدو وكأن الأمور تسير في اتجاه إيجابي، لكن ثمة محاذير وتساؤلات ينبغي التوقف عندها»، وبعد نشر المقالة تواصلت المؤشرات التي تفيد بأننا قد نكون في الطريق إلى الحل أو على الأقل تسوية، ولعل من أهم هذه المؤشرات اجتماع رئيس البرلمان الليبي وقائد الجيش الوطني بالرئيس السيسي في القاهرة، بما يُظهر وحدة القيادة في شرق ليبيا، والحديث عن ملامح محتملة لتسوية سياسية يتوافق عليها الطرفان، ويعني هذا أن المؤشرات الإيجابية مستمرة، وأن بعض ما تشير إليه آخذ في الاتضاح تدريجياً.. ومع ذلك فإن الأسئلة تبقى قائمة بل عديدة.
ولعل أول الأسئلة وأهمها عن درجة التماسك داخل كل طرف من أطراف الصراع، وإذا كانت اجتماعات القاهرة الأخيرة بين الرئيس المصري ورئيس البرلمان الليبي وقائد الجيش الوطني، قد قدمت إجابة مطمئنة على تقارير الخلاف بين القيادتين السياسية والعسكرية في شرق ليبيا، فإن الانقسامات في معسكر الغرب لا يمكن إخفاؤها، وقد كشف عنها الحراك الجماهيري الأخير بوضوح، وما واقعة وقف وزير داخلية الوفاق عن العمل للتحقيق معه ثم إعادته إلى موقعه بخافية، وسواء كان قد أُعيد بضغط تركي أو بمظاهرة عسكرية أم بالاثنين معاً، فإن المعنى يبقى قائماً، وهو أن ثمة انقساماً شديداً يميز خريطة القوى المؤثرة في الغرب الليبي، وهو أمر بالغ الأهمية لمستقبل التسوية، ففي ظل هكذا تشرذم يُخشى من أن أي تقدم على طريق التسوية قد لا يحصل على إجماع الميليشيات التي يُفترض أنها تدعم حكومة السراج لأنها لا تتحرك إلا بدافع مصالحها، وقد سجلت الأيام الأخيرة صداماً بين كتيبتي «الضمان» و«أسود تاجوراء» سقط فيه خمسة قتلى على الأقل، ويتحدث السراج بعد ذلك في الجمعية العامة عن «مشروع الدولة المدنية الديمقراطية»!
أما السؤال الثاني فيتعلق بالعامل الخارجي والتركي خاصة، وحتمية التدخل من أي طرف خارجي لتخريب أي تسوية لا تحقق مصالحه، وهنا يبرز الحديث عن تركيا، فقد تدخلت بسفور تام في الشأن الليبي منتهكةً قرارات مجلس الأمن بحظر توريد السلاح إلى الأطراف المتصارعة، وقدّمت خدمات لوجستية واستشارية لحكومة السراج، ومن الطريف أن ينادي السراج في الجمعية العامة بمغادرة القوات الأجنبية وطرد المرتزقة وهم موجودون لديه لدعمه ضد الجيش الوطني، في تكرار لذات المفارقة التي تحدث فيها عن مشروعه باعتباره مشروع «الدولة المدنية الديمقراطية»، وهو يُلَمح في كلمته أمام الجمعية العامة إلى أن القوات الأجنبية الوحيدة المسموح لها بالوجود في ليبيا هي القوات المستندة في وجودها إلى اتفاقات مع حكومته التي تفككت وانتهى أمدها! ولا يُتَصور بحال أن أردوغان بعد كل ما استثمره من أفعال في ساحة الصراع الليبي، سوف يقبل طائعاً بتسوية تستند إلى إرادة الشعب الليبي كما يعبر عنها في انتخابات نزيهة تحت إشراف دولي صارم، لعلمه جيداً بأن الشعب لن يأتي إلى الحكم بأتباعه من «الإخوان المسلمين» أصحاب السوابق في الانقضاض على الانتخابات الديمقراطية عندما تهدد نفوذهم. 
لذلك علينا أن نتأكد ونحذر من أن العامل الخارجي، متمثلاً بالأساس في تركيا وأتباعها، لن يكون عاملاً مواتياً لأي تسوية نزيهة تُسفر عنها الجهود الحالية، هذا إضافة، بطبيعة الحال، إلى ضرورة التنبه إلى وجود مصالح دولية أخرى، يمكن أن تضع العصي في عجلات التسوية إن وجدت ذلك الطريق غير مفض إلى غير مصالحها، والخلاصة أن إمكانية إحراز تقدم في المشهد الليبي قائمة لكن الحذر، كل الحذر، واجب.