من بين 107 منظمات ومؤسسات، وأكثر من 211 شخصية عالمية مرموقة، فاز البرنامج العالمي للغذاء بجائزة نوبل للسلام لهذا العام، والتي بخلاف قيمتها النقدية التي تتخطى المليون دولار، تحمل أيضاً في طياتها تقديراً معنوياً لا تضاهيها فيه أي جائزة عالمية أخرى.
وتعود جذور هذا البرنامج، التابع لمنظمة الأمم المتحدة، إلى بداية عقد الستينيات، حينما أنشئ بإيعاز ورعاية من إدارة الرئيس الأميركي الأسبق «دويت إيزنهاور»، كوسيلة لإيصال المساعدات الغذائية للدول والمجتمعات التي هي بحاجة لها، من خلال الأمم المتحدة.
وعلى مدى ستة عقود، نجحت الجهود الهائلة للبرنامج العالمي للغذاء والعاملين به، في إنقاذ حياة الملايين من المعرضين للموت جوعاً، وفي تحسين فرص السلام في مناطق الصراعات المسلحة، وفي منع استخدام سياسات التجويع كسلاح في الحروب والصراعات. هذه الجهود وما نتج عنها، كانت بالضبط الأسباب التي دفعت لجنة نوبل لمنح البرنامج الجائزة لهذا العام وفق الكلمة التي ألقتها رئيسة اللجنة أثناء الإعلان.
ولن يتسع المقام هنا لذكر قائمة المجاعات التي تسببت فيها الحروب والصراعات المسلحة، لكن يمكن القول بكل ثقة بأن الحروب والصراعات المسلحة كثيراً، ما تسببت في مجاعات راح ضحيتها ملايين البشر، وكثيراً ما كان عدد ضحايا تلك المجاعات يفوق بأضعاف مضاعفة أعدادَ مَن قُتلوا مباشرةً بأنواع الأسلحة المختلفة. 
وفي العصر الحديث، أصبح الجنس البشري يواجه تحديات جديدة، ستجعل المجاعات خطراً لا يستهان به، مثل التغيرات المناخية الناتجة عن ظاهرة الدفء العالمي أو الاحتباس الحراري، ومؤخراً، وبالتحديد منذ بداية العام الحالي، شكل وباء كورونا خطراً على عمليات إنتاج ونقل وتوزيع الغذاء، مما هدد بوقوع مجاعة غير مسبوقة في التاريخ، سيزيد من فداحتها الانكماش الاقتصادي الذي عانت منه تقريباً جميع دول العالم، ونتج عنه فقدان عشرات الملايين لوظائفهم ومصدر دخلهم الوحيد.
وحسب تقرير صدر عن البرنامج العالمي للغذاء نهاية شهر أبريل الماضي، توقّع الخبراء والمحللون أن عدد الجوعى في العالم سيرتفع من 135 مليون شخص حينها، إلى أكثر من 250 مليون بسبب الوباء الحالي، على أن تتأثر الدول التي تعاني أصلاً من حروب وصراعات مسلحة بشكل أكبر، حيث سيتعرض سكان تلك الدول لضربة مزدوجة، من الحرب والوباء معاً.

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية