إذا كان فشل الولايات المتحدة في توقّع هجمات 11 سبتمبر 2001 إخفاق تخيل، فإن عدم توقع هجوم 6 يناير 2021 كان إخفاق تصور: رفض مستمر على أعلى مستويات الحكومة الاعتراف بواقع التهديد الذي يطرحه المتعصبون اليمينيون. 
والواقع أن الإرهاب في الولايات المتحدة داخلي في معظمه وتحرّكه أيديولوجياتٌ يمينة، عنصرية ومناوئة للسامية وللمسلمين وللمهاجرين في الغالب. ففي العقد الماضي –وبشكل سنوي تقريباً منذ عام 1990 (باستثناء 2001)- كانت أعمال الإرهاب الداخلي اليميني أكثر عدداً وفتكاً من الإرهاب الذي تمارسه تنظيمات أو حركات خارجية، وفق «الاتحاد الوطني لدراسة الإرهاب والردود عليه»، وهو مركز أبحاث بجامعة ميريلاند. كما أن احتمالات إحباط الأجهزة الأمنية لمؤامرات اليمين المتطرف أقل، ففي العقد الماضي تكلّل نحو ثلثي المخططات الإرهابية الداخلية اليمينية بـ«النجاح»، وفق المركز، مقارنةً مع 22% فقط من المخططات الإرهابية التي وضعها لاعبون دوليون.
وبالتالي، فإن إحدى أبرز الفقرات في خطاب التنصيب الذي ألقاه الرئيس جو بايدن، وكانت أيضاً واحدة من أكثرها وضوحاً، قوله وهو يشير إلى العدو باسمه: «إن التطرف السياسي، والعنصرية البيضاء، والإرهاب الداخلي.. مخاطر يجب علينا مواجهتها، وسنهزمها». 
لقد كانت جملة سريعة بدون تزويق أو تنميق، وقد يكون من الإفراط في الكرم تهنئة بايدن فقط لأنه تحدث بصراحة ووضوح. غير أنها مؤشر على مدى امتناع المسؤولين الأميركيين عن مواجهة العنف اليميني لدرجة أن جملته صنعت التاريخ. ذلك أنه قد يكون أولَ رئيس يتناول معضلة العنصرية البيضاء بشكل مباشر في خطاب التنصيب. 
وبالطبع، فإن ذكر شيء ما فقط لا يحل أي مشكلة. غير أنه في المعركة ضد الهجمات اليمينية، قد تدفع تسميةُ الرئيس للخطر البلادَ على الأقل بعيداً عن حفرة الجمود التي ظلت عالقة فيها منذ عقود. 
إن السبب الرئيسي لاستمرار العنف السياسي اليميني في الولايات المتحدة هو أنه نادراً ما يُمنح الأولوية من قبل الأجهزة الأمنية، والسبب الرئيسي لعدم إيلائه الأولوية إلا نادراً هو الرفض السياسي لفعل ذلك. ففي العقد الماضي، تواصلت الهجمات المميتة: في كنيسة للسود في تشارلستون (كاورلاينا الجنوبية)، وفي كنيس في بيتسبرغ، وفي متجر «ول
مارت» في إيل باسو (تكساس)، وفي احتجاج ضد تجمع عنصري في تشارلوتسفيل (فرجينيا).. إلخ. غير أنه تحت رئاسة ترامب، بل وحتى في عهد باراك أوباما، واصل المسؤولون الأمنيون تخصيص الموارد والإمكانيات لمعالجة التهديدات الخارجية بدلاً من نظيرتها الداخلية.
تقصير الحكومة أصبح الآن واضحاً. ففي الأشهر القليلة قبيل اقتحام مقر الكونجرس، لم يحاول المهاجمون اليمينيون إخفاء نواياهم. إذ هدد الكثيرون منهم علانية بالتخطيط لمهاجمة الحكومة، وصوّروا أنفسهم وهم يحضّرون لمهاجمة الحكومة، ونشروا الطرق التي يخطّطون لسلكها في طريقهم إلى مهاجمة الحكومة. بل إن بعضهم تدرب على مهاجمة الحكومة الفدرالية عبر مهاجمة حكومات الولايات. ولم يكن إحباط مخططهم شبيها بالعثور على إبرة كومة قش، بل كان أشبه بالبحث عن حيوان الشيهم في كومة قش: أي لا يمكن أن تخطئه العين.
ومع ذلك، فشلت أجهزة محاربة الإرهاب في توقّع هذا الهجوم الكبير، رغم أن بعض الخبراء توقعوا حدوثه منذ فترة طويلة.
جزء كبير من هذه المشكلة كان بتحريض من ترامب نفسه. وبالنظر إلى تلميح الرئيس لعنف الجناح اليميني، بل وتحريضه عليه بالتوازي مع ادعائه أن التنظيمات اليسارية هي المشكلة الحقيقية، فإنه ليس مفاجئاً أن تقلّل الأجهزة الأمنية الفدرالية من خطر الموضوع. 
السياسيون «الجمهوريون» ومشاهير وسائل الإعلام المحافظة طوّروا أيضاً روابط جيدة مع الجناح اليميني. فهذا «غافين ماكينيس»، مؤسس منظمة «الأولاد الفخورون» المتطرفة التي شارك أعضاء منها في اقتحام الكونجرس، ظهر عشرات المرات على شبكة «فوكس نيوز» التلفزيونية. كما ادّعى زعيم لـ«أوقفوا السرقة»، وهي أحدى المنظمات التي نظمت اقتحام الكونجرس، أنها نسّقت مع بعض أعضاء الكونجرس الجمهوريين (الذين قد يواجهون متاعب قانونية الآن). 
وفي غياب زعماء يقولون إن «هذا هو التهديد الذي نواجهه، وسنسخّر كل إمكانياتنا للقضاء عليه»، تقول إيليزابيث نومان، التي كانت مساعدة لوزير مكافحة الإرهاب والوقاية من التهديدات في وزارة الأمن الداخلي في إدارة ترامب، إن المعلومات المغلوطة والمضللة غطّت على الموضوع، وهذا ما يفسّر لماذا يجهل الكثيرُ جداً من الأميركيين انتشارَ الأعمال الإرهابية اليمينية، وهو ما يفسّر بدوره لماذا هناك انعدام أو قلة تركيز سياسي عليه. 
وعليه، فإن أهم خطوة سياسية يمكن أن يقوم بها بايدن هي مواصلة تسليط ضوء كاشف على هذه الآفة. كثيراً ما كان ترامب يسخر من «الديمقراطيين» لرفضهم قول عبارة «الإرهاب الإسلامي الراديكالي»، كما لو كان ذلك حلاً سحرياً يمكن أن يجعل تنظيم «داعش» يختفي. وهو لم يكن كذلك، لكن مطالبة الجمهوريين بشكل متكرر ومحدد التنصل من الإرهاب الأبيض الراديكالي قد تكون فكرة جيدة للبدء بها. 

*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2021/01/22/opinion/biden-white-supremacy.html