كيف تستطيع إدارة بايدن الجديدة معالجة الإرهاب المحلي الذي اتضح بجلاء في محاولات الاعتداء على مقر الكونجرس يوم السادس من يناير الجاري؟ وقبل يوم تنصيب بايدن رئيساً للبلاد، نُشر 20 ألفاً من أفراد الحرس الوطني لحماية الإدارة الجديدة من عنف اليمين المتطرف، لكنْ هناك تهديد أشد خطورة يلوح في الأفق. فقد هيمن الاهتمام بالإرهاب النووي والإشعاعي منذ عقود على أيديولوجية المؤمنين بتفوق البيض. ويتصور مجتمع السياسة أن تهديد الإرهاب النووي لا يأتي تقريباً إلا من خارج حدود الولايات المتحدة، وتحديداً من شبكات الإرهاب المعروفة، مثل «داعش» و«القاعدة» والجماعات المنبثقة عنهما. لكن الواقع أن جماعات اليمين المتطرف الأميركية لها تاريخ في محاولة الحصول على أسلحة نووية ومواد مشعة لاستخدامها ضد الحكومة الاتحادية. فقد سعى أعضاء من جماعات النازيين الجدد في الماضي إلى الحصول على مواد نووية بغرض التسبب في ضرر بها. 
وتعود مخاوف الإرهاب النووي وسط صناع السياسة الأميركية إلى سبعينيات القرن الماضي على الأقل حين تصاعدت حركات التمرد المسلحة في الشرق الأوسط، بداية من مذبحة ميونيخ عام 1972 التي نفذتها جماعة «أيلول الأسود» الفلسطينية، وصدمة أسعار النفط عام 1973 التي دعمت قوة الدول المصدرة للنفط، وأذكت المخاوف من العالم الإسلامي، وتجربة الانفجار النووي في الهند عام 1974 وحصول باكستان على أسلحة نووية رداً على هذه التجربة، وبرامج الطاقة النووية الجديدة التي مولتها دولارات النفط في إيران وليبيا والعراق وفي مناطق أخرى.. كل ذلك أذكى المخاوف الأميركية من وقوع المواد النووية في أيدي جهات معادية. وفي عام 1979 حين عرض التلفزيون الأميركي على امتداد أكثر من عام أزمة الرهائن في إيران، تأصلت في الثقافة السياسية الأميركية النظرة إلى الإسلام المتشدد، باعتباره تهديداً أمنياً. 
لكن الإرهاب النووي كان تهديداً محلياً في سبعينيات القرن الماضي. وكان من المتوقع أن تنمو القوة النووية في ذلك العقد، وكان يُخشى أن تتوافر على نطاق واسع كمية كبيرة من البلاتينيوم، وهو مادة مشعة تستخدم في صنع الأسلحة النووية. وبحلول نهاية العقد، نظم نشطاء قوة البيض، وكثيرون منهم من مخضرمي حرب فيتنام أنفسهم لخوض صراع مسلح عنيف في «مقاومة بلا قائد» ضد الحكومة الاتحادية. وكانت الحكومة بالنسبة لهم مصدر تغير اجتماعي غير مقبول يضر بالأميركيين المسيحيين البيض. وفي عام 1978، نشر وليام بيرس، مؤسس جماعة «التحالف القومي» النازية الجديدة رواية «يوميات تيرنر» باسم مستعار هو أندرو مكدونالد. وباعت الرواية نصف مليون نسخة في العالم ومازلت تتمتع بشعبية وسط المؤمنين بتفوق البيض. 
وفي الرواية، اكتسح متطرفو الجناح اليميني مقر الكونجرس للإطاحة بالحكومة الأميركية. ووصف «مكتب التحقيقات الاتحادي» (إف. بي. أي.) الرواية بأنها «الكتاب المقدس لليمين العنصري». وتصور الرواية 18 انفجاراً نووياً في مانهاتن وحدها وتصور الدمار الذي تسببت فيه الأسلحة النووية في بالتيمور وميامي وساحل كاليفورنيا وديترويت. وتنتهي الرواية بتفجير قنبلة نووية فوق «البنتاجون». والراوي «إيريل تيرنر» يسوغ التفجيرات النووية والتخريب ضد السكان غير البيض و«مجرمي العرق»، ويقصد بهم البيض الليبراليون، لإفساح الطريق أمام تفوق البيض في الولايات المتحدة والعالم. 
وألهمت «يوميات تيرنر» عمليات سطو مسلح عرقية الدوافع، وأكثر من 200 عملية قتل في الولايات المتحدة. وأثرت كثيراً في «تيموثي مكفيه» الذي نفذ تفجير أوكلاهوما سيتي الذي كان أكثر العمليات الإرهابية فتكاً داخل الولايات المتحدة أودى بحياة 168 شخصاً في أبريل 1995. وحظي الكتاب باهتمام جديد بعد الهجوم على الكونجرس مؤخراً. ومنعت «أمازون» بيعه، ورصدت المنافذ الإعلامية الكبيرة تأثيره في جماعات اليمين المتطرف، وتلك المؤمنة بتفوق البيض. 
والتشابهات في الخارج مثيرة للرعب. فأيديولوجية تفوق البيض العنيفة التي تدعو إلى هجمات نووية وإشعاعية ضد السكان غير البيض انتشرت خارج الولايات المتحدة. فقد دعا الإرهابي النرويجي اليميني المتطرف أندريس بهرنج بريفيك الذي قتل 77 شخصاً في يوليو 2011 إلى استخدام المواد الكيماوية والبيولوجية والمشعة ضد «الماركسيين» و«دعاة التعدد الثقافي» والمسؤولين عن «الاستعمار الإسلامي» لأوروبا. وفي بيانه الذي تضمن 1500 صفحة، قدم خططاً لسرقة أو الحصول بطريق غير مشروع على الأسلحة النووية وشراء مواد نووية من خلال شبكات التهريب العالمية. وأوصى بريفيك باستخدام المواد المشعة والأسلحة النووية بعد الأول من يناير 2020، وهو الموعد النهائي الذي حدده لذوبان المسلمين في أوروبا. ونظراً إلى الشبكات عابرة الدول من المؤمنين بتفوق البيض، تمثل الدعوة للهجمات النووية والإشعاعية في بيان بريفيك، وأيضاً في «يوميات تيرنر»، عوامل قوية لإثارة القلق. 
ويطمئننا خبراء السياسة إلى أنه إذا أخذنا الإرهاب النووي مأخذ الجد، فإنه يمثل تهديداً يمكن تفاديه وحله. لكن المؤمنين بتفوق البيض يمكنهم التسلل بسهولة إلى الشرطة والجيش والمؤسسات النووية، مما يجعلهم شديدي الخطورة، ومن الصعب اكتشاف مدى خطورتهم على الأمن القومي. فهناك جماعة «حُفاظ القسم»، وهي مجموعة من أقصى اليمين مناهضة للحكومة، وقد استقطبت أفراداً سابقين من الجيش الأميركي وقوات إنفاذ القانون. وهذه الجماعة شاركت في الهجوم على الكونجرس، مما يوضح حجم الخطر الذي يمثله اليمين. وترصّد اليمينيين المتطرفين داخل مؤسسات الحكومة على مستوى المدن والولايات والاتحاد، يتعين أن يكون أولوية لإدارة بايدن الجديدة. 
ومنع هجوم كارثي يتوقف أساساً على التحرك فيما يتجاوز الفهم أحادي البعد للإرهاب والتوصل إلى فهم أفضل للوسائل المختلفة التي تطور عبرها الإرهاب المحلي لليمين المتطرف في الولايات المتحدة والتهديدات المحددة التي يمثلها. وخطر الإرهاب النووي بلغ درجة تحتم علينا التصرف حياله استباقياً، وليس بعد وقوع هجوم مدمر. ودروس الماضي تعلمنا أنه يتعين تحطيم الحدود الصناعية بين السياسات الخارجية والداخلية. والأمن القومي لا يعني مجرد منع الهجمات من الخارج. وكان حصار مقر الكونجرس تجربة سيئة. لكن مجرد نجاتنا من الأسوأ لا يعني عدم الاستعداد لما قد يكون أسوأ منه في المستقبل. ويتعين علينا الاستباق بالنشاط لمنع الإرهاب المحلي لليمين المتطرف من التسلح النووي في هذه البلاد.

جايتا ساركار*

*أستاذة مساعدة للعلاقات الدولية في جامعة بوسطن 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»