في دولة مثل الإمارات لم تكن المرأة بعيدة عن حقل التنمية، بل كانت جزءاً منه، وتمثل طاقة مهمة فيه، إذ شاركت منذ سبعينيات القرن الماضي في شغل العديد من الوظائف بقطاعات حكومية حيوية، ويأتي التعليم على رأسها.
قبل قيام الاتحاد كانت مشاركة المرأة ضعيفة في سوق العمل الحكومي مقارنة بمشاركة الرجل، لكن بعد الاتحاد بدأ حضورها يأخذ ملمحاً أكثر وضوحاً، فلم تعد المرأة ربة منزلها فقط، إنما مُنحت الفرصة للالتحاق بالعمل خارج المنزل، فأصبحت الإدارية والمعلمة المربية بفضل الطريق التي سارت فيه الحكومة من أجل تحقيق حاضر ومستقبل أفضل من الماضي الصعب، وهو ما وصلت إليه الدولة.
بسبب النهضة المتكاملة التي شملت كل مناحي الحياة، تمكنت المرأة من دعم مسيرة التنمية ونجحت في تثبيت مكانتها ليست كأم فقط، بل كموظفة كذلك، فجمعت بين مسؤولياتها البيتية والتربوية والوظيفية في آن معاً، وهو ما يُحسب لها بحق، حيث تحدت الصعاب والتحديات كلها، وحجزت لذاتها مكاناً في خدمة المجتمع، ولو قارنّا بين دورها ودور الرجل، لوجدناها أكثر نجاحاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم المسؤوليات الواقعة على كاهلها بدءاً من بيتها وانتهاءً بالموقع الذي تشغله في عملها.
ولا أقول هذا عن المرأة الإماراتية فقط، فقارئ تاريخ حركة تحرر المرأة يجد أنها شملت كل دول العالم، وعديدون هم الرجال المتنورون الذين ناصروها في طريق تحررها، وشدوا على يديها، وساندوها في رحلتها تلك، ومكّنوها من حقوقها.
وإن أردت التحدث عن تجربة المرأة الإماراتية لوجدتها خير ما أستدل به وذلك من باب معرفتي الدقيقة كإماراتي بتفاصيل الأمور. فاستلام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حكم إمارة أبوظبي بدايةً، ثم توليه رئاسة دولة الإمارات، عامل أساسي في تمكين المرأة من حقوقها. فقد رأى البعد الحقيقي لمشاركتها في بناء الفرد والمجتمع على حدٍّ سواء، كما أيقن أن تغير الحياة في الإمارات ككل أمر مرهون بحضورها على رأس عملها في مؤسسات الدولة.
ولتيسير خطة التنمية كما رسمها المغفور له الشيخ زايد قبل عقود، تطلّب ذلك البدء بمنحها فرصة التعليم في المدارس التي كانت آخذة بالانتشار والتطور في مختلف إمارات الدولة، بالإضافة إلى منحها حرية إكمال دراستها في أفضل الجامعات في أكثر الدول تقدماً، وبمشاركة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك في صناعة القرار الخاص بنهضة المرأة، تم افتتاح الاتحاد النسائي الذي ترأسته سموها، وضم تحت مظلته عدة مؤسسات ومبادرات وفعاليات أُنشئت لصالح المرأة ومن أجل دعم مسيرة تطورها لتواكب المتغيرات الحاصلة في العالم.
استمرت الإمارات بدعم المرأة كجزء من رحلة التنمية المتواصلة، إلى أن وصلنا إلى تحقيق التوازن بين الجنسين الذي بات ملفاً أساسياً من ضمن الأجندة الوطنية التي ترجمت الرغبة والإرادة لتعزيز دور المرأة في مختلف قطاعات الحياة، وحماية مصالحها في المجتمع أو في بيئة العمل، وكذلك لمنحها ذات الحقوق الدستورية التي يتمتع بها الرجل.
قد يقول قائل إنني منحاز للمرأة الإماراتية، وهذا صحيح، لكن انحيازي لها مبني على ما أراه على أرض الواقع، وما أقرأه من معلومات وبيانات تصدر في التقارير المحلية والدولية، وآخرها يتمثل بما ورد في تقرير البنك الدولي الصادر بمناسبة ذكرى يوم المرأة العالمي بعنوان (المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2021)، والذي يشير إلى تحقيق الإمارات المركز الأول على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من جهة وصول المرأة إلى مستوى متقدم من جهة دعم القانون لها، وتميزها من خلال ما حققته ووصلت إليه بالعمل في القطاعين الحكومي والأهلي، أو من حيث تأسيسها المشاريع الخاصة بها، لتصبح بذلك شريكة أساسية في صناعة الاقتصاد المحلي.
إن مسيرة نهضة المرأة في الإمارات تلخّص مسألتين أساسيتين وهما: حرص الحكومة على تمكينها تعليمياً واقتصادياً وقانونياً وسياسياً، بالإضافة إلى الرغبة الصادقة للمرأة ذاتها بأن تكون شريكة في بناء مجتمعها، فاستثمرت كل ما من شأنه أن يضعها على الطريق الصحيح، وهذا ما حدث ويحدث كل يوم.