تبدو منحنيات خروج الولايات المتحدة من الوباء هذا الربيع واعدة جداً. فبعد ركود مؤقت بسبب العاصفة، أخذت عمليات التلقيح ترتفع إلى قرابة 2.5 مليون عملية تلقيح في اليوم. وهناك أسباب عدة للاعتقاد بأن العدد سيزداد خلال الأسابيع القادمة. وفي الأثناء، يوفر ترخيص «إدارة الغذاء والدواء» للقاح «جونسون آند جونسون» من أجل الاستخدام العاجل، مليوني جرعة إضافية ستصبح متاحة للتلقيح. 
وتعهدت شركات «موديرنا» و«فايزر» و«جونسون آند جونسون» بتوفير 240 مليون جرعة لقاح للأميركيين بنهاية مارس الجاري. وإذا أضفنا ذلك إلى عدد الأشخاص الذين تلقوا اللقاح (والأشخاص الذين يتعافون من «كوفيد-19» وبالتالي باتوا محصنين أيضاً)، يبدأ الحديث عن أن وجودنا في «نقطة انعطاف» يبدو حقيقياً. وبالتالي، نتساءل: هل انتهى كل شيء؟ 
لدي شكوك، وأعتقد أنه لا ينبغي التقليل أبداً من قدرة أميركيي القرن الحادي والعشرين على تسييس شيء ما، ولو تعلق الأمر بخبر جيد. ففي الأسبوع الماضي، مثلا، أثير جدل محتدم بسبب صور «السيلفي» أثناء عمليات التطعيم! السبب الأكثر جدية هو أنه ما زالت هناك بعض الأشياء المجهولة بشأن استراتيجية خروج الولايات المتحدة من حياة الوباء. هذه الأشياء المجهولة ستؤدي على الأرجح إلى انقسامين سياسيين خطيرين مع بدء درجات حرارة الجو في الارتفاع، الأول هو الانقسام المتزايد بين الملقَّحين وأولئك الذين يقاومون التلقيح. أما الثاني، فهو الهوة بين مسؤولي الصحة العامة الذين يتحاشون المخاطرة وبقية الناس. 
الخبر السار في هذا الشأن هو أن نسبة الأميركيين المهتمين بتلقي اللقاح ازدادت خلال الأشهر الستة الماضية. والخبر السيئ هو أنه ما زالت هناك مجموعة من الناس الذين يصرون على عدم تلقي اللقاح. ومثلما أشار إلى ذلك بريان والش من موقع «أكسيوس» الإخباري، الأسبوع الماضي، فإن جزءاً من هذا سياسي. ففي استطلاع حديث للرأي، كان 17% من المستجوبين «ممن يؤمنون بنظريات المؤامرة ويميلون إلى أن يكونوا جمهوريين في الغالب ولم يكونوا يخافون من كوفيد-19. كما أنهم كانوا في كثير من الأحيان ممن يؤمنون بمزيد من النظريات الضارة والغريبة بخصوص اللقاحات».
والواقع أنه حتى إذا لُقح الجميع في البلد باستثناء جماعة ترامب، فيبدو أنه سيكون من الممكن مع ذلك تحقيق المناعة الجماعية. لكن، ومثلما أشارت جينيفر شتينهاور، من صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً، فإن مقاومة التلقيح توجد حتى داخل مؤسسات مثل الجيش الأميركي أيضاً.
والواقع أن صدور هذه المقاومة عن الشباب بشكل رئيسي ليس مفاجئاً. فنحن نعلم أن «كوفيد-19» يضر بالأشخاص الأكبر سناً بشكل خاص. ومن منظور شخص شاب قد يكون متردداً في تلقي اللقاح، فإن الخضوع للتطعيم قد يبدو غير ضروري. لكن الموضوع الصعب هنا هو أنه على غرار لزوم البيت أو ارتداء الكمامة، فإن إحدى الفوائد المهمة لتلقي اللقاح هي حماية الأشخاص الآخرين. إذ كلما كان عدد الأميركيين الذين يتلقون التلقيح كبيراً، تقلص احتمال انتشار المرض. وهذا يشمل الشباب الذين يعتقدون أنهم في مأمن نسبي حتى إن أصيبوا به. 
بيد أن إقناع هذه الفئة من السكان بتلقي اللقاح، ليس من أجل مصلحتها الذاتية فحسب وإنما من أجل المصلحة الوطنية أيضاً، سيكون مهمة صعبة. وتعترف «منظمة الصحة العالمية» بأن «نسبة السكان التي يجب أن تتلقى اللقاح ضد كوفيد-19، حتى تتحقق المناعة الجماعية، ليست معروفة». أنتوني فاوتشين، مدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية، أقر بأنه رفع تقديراته للنسبة التي تحتاج لتلقي اللقاح من أجل تحقيق المناعة الجماعية عدة مرات. ويعتقد بعض المعلقين المحافظين أن السقف أدنى من عدد الأميركيين الذين يقاومون تلقي اللقاح. وبالتالي، فيبدو هذا أشبه بكمية مثالية من عدم اليقين لخلق نقاشات محتدمة ستستمر حتى فصل الصيف.
أما الانقسام الآخر الذي سيهيمن على البلاد، فهو المعركة بين مسؤولي الصحة العامة الذي يكرهون المخاطرة وبقية المجتمع. ففي مارس من العام الماضي، قال فاوتشي: «إذا كان يبدو لك أنك تتصرف بشكل مبالغ فيه، فالأرجح أنك تقوم بالشيء الصحيح». وبينما تريد البلاد الشروع في العودة إلى الوضع الطبيعي، سيبدو مسؤولو الصحة العامة أشبه بـ«كاسنادرا» التي لا يصدقها أحد وفق الميثولوجيا الإغريقية. وسيحذرون بشأن أسوء سيناريوهات السلالات المقاومة للقاح، معيدين البلاد إلى جحيم التباعد الجسدي خلال النصف الثاني من العام. والحال أنه بينما نشرع في الخروج من الوباء، ينبغي أن يكون هناك نقاش صادق حول توازن المخاطر. 
ولأن هناك عمليات مقايضة حقيقية في المخاطر، فإنه ستكون هناك أسباب حقيقية للجدل والنقاش. ولا شك في أن حالة عدم اليقين هذه ستغذّي الجدل السياسي في زمن كوفيد-19 خلال بقية العام الجاري.

*أستاذ السياسة الدولية بـ«كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية» في جامعة تافتس
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»