أعلن الرئيس الأميركي أمس، سحب القوات الأميركية من أفغانستان في الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر. ومن المتوقع أن يصل مسؤولو الحكومة الأفغانية، وممثلو «طالبان» إلى تركيا هذا الشهر في محاولة للتفاوض حول حل للحرب في بلدهم: فعلى مدى عقدين، وجدت الولايات المتحدة صعوبة في فرض سيطرتها في النزاع الممتد في أفغانستان، أو النجاح في تأمين إجماع بين أطرافه. وخلال الأيام الأخيرة، تبادلت القوات الأفغانية وقوات «طالبان» الضربات، في محاولة لكسب بعض النفوذ قبل المحادثات، التي قد تفضي وقد لا تفضي إلى بديل للاتفاق الذي تم التوصل إليه العام الماضي بين «طالبان» وإدارة ترامب. ويدعو ذاك الاتفاق إلى انسحاب القوات الأميركية بحلول 1 مايو – أي في غضون أسابيع. ولكن هذا العنف لا يبعث على التفاؤل بشأن إمكانية تحقيق توافق ومصالحة بين الأطراف الأفغانية بعد انسحاب الجيش الأميركي. 
الأشخاص الذين يريدون في واشنطن الإبقاء على الجنود الأميركيين بعد تاريخ 1 مايو من المحتمل أن يصفوا موجة القتال الأخيرة هذه على أنها مقدمة للعنف الذي يحذّرون من أنه سيعقب أي خروج للقوات الأميركية. ولكن الأساس الذي يقوم عليه هذا الرأي فيه عدة عيوب. ذلك أن الإبقاء على القوات الأميركية في أفغانستان لا يساعد على التقريب بين الفرقاء المتناحرين. وبالمقابل، فإن استمرار التدخل العسكري هناك يضر بآفاق سلام دائم وحقيقي. ففي الوقت الراهن، تتفاوض طالبان تحت تهديد السلاح، بينما تتفاوض الحكومة الأفغانية من وراء درع قد تزيله واشنطن في أي لحظة. وفي الأثناء، يعاني الجنود والمدنيون الأفغان مع مرور الأشهر والأعوام بدون أن يلوح في الأفق ما يؤشر إلى نهاية وشيكة للعنف. 
وفضلا عن ذلك، فإن تدخل الولايات المتحدة الحالي في أفغانستان يحرّف ميزان القوة في البلد: فطالما أن الجنود الأميركيين على الميدان، فإن «طالبان» ستحاول الانتظار إلى حين خروجهم، وستستخدم الحكومةُ الأفغانية خطاب التخويف، محذرةً من حرب أهلية شاملة لإقناع الزعماء الأميركيين وزعماء الائتلاف الدولي بالبقاء. فالمسؤولون الحكوميون الأفغان يساوون بين «طالبان» وتنظيم «داعش»؛ ومؤخرا، رفضت كابول خطة سلام أميركية تم تداولها مؤخرا. 
وطالما أن عملية السلام الأفغانية مدعومة من قبل الجيش الأميركي، فإن الجانبين قد يتوصلان إلى اتفاق يبدو جيداً على الورق، ولكن من المحتمل أن ينهار بسرعة بعد انسحاب الجنود الأميركيين. 
صحيح أنه إذا انسحبت القوات الأميركية قبل التوصل لتسوية، فإن العنف قد يزداد على المدى القصير. والأرجح أن «طالبان» ستدّعي النصر، وتنسب إلى نفسها الفضل في إخراج الأميركيين، ويمكن أن تعرّض مزيدا من الأفغان لحكمها الرجعي. غير أن وعودا من الولايات المتحدة وشركائها بتخفيف العقوبات والمساعدة يمكن أن تدفع «طالبان» إلى بعض التوافق – ما سيسمح لها بالسعي وراء السلطة من خلال الاعتراف الدولي بدلا من الهيمنة المسلحة على ما قد يصبح مرة أخرى دولة منبوذة.
والواقع أن إدارة بايدن تجد إغراء في الإبقاء على الوجود العسكري في أفغانستان في محاولة لتفادي قدر أكبر من العنف؛ غير أن فعل ذلك قد يعني تصعيدا آخر للعمليات القتالية المميتة بقيادة الولايات المتحدة، وبدون طائل. والحال أن «طالبان» لن ترحل إلى أي مكان. ولديها مصلحة أكبر في النتيجة السياسية والعسكرية، وتعمل وفق جدول زمني مختلف جداً – لا نهاية له تقريباً. 
«بربرا ولتر» المتخصصة في العلوم السياسية تحدّد ثلاث خطوات من أجل إنهاء الحروب الأهلية بنجاح مثل تلك الموجودة في أفغانستان هي: بدء المفاوضات؛ والتوافق حول اتفاق؛ ثم تطبيقه. والأفغان وجدوا أنفسهم عالقين في الخطوة الأولى، وهو ما لا ينبغي أن يكون مفاجئا في الحقيقة بالنظر إلى إيديولوجيا «طالبان» المترسخة بقوة، والامتياز الذي تتمتع بها على ساحة المعركة – ذلك أن أي حركة تمرد لا تستطيع «الفوز» سوى عبر مواصلة القتال، وقادة «طالبان» ومجندوها لديهم تصميم قوي على القيام بذلك بالضبط. وتُعد المفاوضات المقبلة محاولةً للدفع بعملية السلام إلى الأمام ونقلها إلى الخطوة الثانية – أي التوافق وتقاسم السلطة -- ولكن احتمالات نجاحها ضئيلة، لأن ذلك سيتطلب الثقة بين «طالبان» والحكومة والمواطنين الأفغان في بلد تأثر بعقود من الحرب والتدخل الأجنبي والانتهاكات التي ظلت بدون عقاب. 
وبالنسبة لبايدن، فإن أياً من الخيارين في أفغانستان – سواء البقاء أو الذهاب – يطرح مخاطر سياسية. وأيا يكن القرار الذي سيتخذه، فإن التاريخ لن يحكم عليه بمعزل عن الظروف الموضوعية. فعلى غرار الرئيسين السابقين، فإن الرئيس الحالي ورث هذه الحرب. ومثلما أن أي مؤرخ جاد لن يحمّل الرئيس جيرالد فورد مسؤولية سقوط سايجون، فإن الحرب في أفغانستان لن تصبح «حرب بايدن»، إلا إ ذا أطال أمدها. ولهذا، ينبغي له أن يختار الخيار الأقل سوءاً، ألا وهو: سحب كل الجنود الأميركيين.
وحتى تفضي محادثات السلام إلى توافق قوي، فإنها ينبغي ألا تتم تحت الإكراه المسلح. وقد يزعم البعض أن وجود الجنود الأميركيين لا يعمل سوى على إكساب الحكومة الأفغانية نفوذاً يفيدها في المفاوضات، أو ما يمكن وصفه بترجيح طفيف لكفّة «الأخيار». غير أنه بممارستها ضغطاً خارجياً ومؤقتاً، تصرف الولايات المتحدة انتباه الأفغان عن العمل المستعجل المتمثل في إدارة الحكم المحلي وبناء الدولة. والمثير للسخرية أن وجود القوات الأميركية – وليس رحيلها – هو الذي يعيق فرص السلام في أفغانستان في نهاية المطاف، بينما يبحث بايدن عن طريق للخروج. 

مارك حنا وآدم وينستين*

*باحثان أميركيان
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلوميبرج نيوز سيرفس»