أكثر من دولة أقلقها مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي ودخول بلاده مرحلة صعبة، أمنياً وسياسياً، خصوصاً إذا استطاع متمرّدو «جبهة التغيير والوفاق» مواصلة القتال في الشمال مستهدفين العاصمة. سبق أن عرفتْ نجامينا، قبل ديبي ومعه، صراعات للاستيلاء على السلطة، وبلغ أحدها أبواب القصر الرئاسي عام 2008 وكان آخرها في 2019، وفي الحالين كان التدخل الفرنسي حاسماً لردّ الخطر عن ديبي ونظامه، أما في 2021 فشاء قدر الرئيس أن يُقتل غداة إعلان فوزه في انتخابات 11 أبريل الجاري، وهو يقود جنوده ضد متمرّدي قبيلة الفرعان الآتين للمرة الثانية من جنوب ليبيا. وفيما تمكّن طيران الجيش التشادي من وقف تقدمهم في إقليم كانم المحاذي لحدود النيجر غرباً، واضطرّهم للانسحاب شمالاً، ترى معظم التقديرات أن هذه كانت جولة في المواجهة وليست نهاية لها، ويتوقّف جانب كبير من مستقبلها على مصير المرتزقة ووجودهم في ليبيا. فمن جهة حفّز الحدث التشادي القوى الدولية على طرح قضيتهم، ومن جهة أخرى سلّط الضوء على خطورة السلاح المنفلت الذي مكّن تحالفاً بين مجموعات تشادية من إعداد جيش يضم بضعة آلاف مقاتل وتجهيزه لقطع مسافات طويلة بغية تغيير الحكم في نجامينا. هذه ظاهرة ربما كانت مجهولة، فليس كل المرتزقة المقاتلين في ليبيا يوظّفون مهمّتهم لتنفيذ أجندة خاصة بهم في بلدانهم الأصلية. لذا أعادت الحكومة الليبية الجديدة اكتشاف أمرين معروفَين: لا بد من تأمين الحدود الجنوبية وضبطها، ولأجل ذلك لا بد من توحيد المؤسسة العسكرية. لكن هذا يشكّل جوهر المعضلة الليبية المعتملة منذ سقوط النظام السابق. 
كان معبّراً قول الرئيس النيجيري إن غياب إدريس ديبي يترك «فراغاً كبيراً» في جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي. ولا شك أن رؤساء فرنسا والنيجر وأفريقيا الوسطى والكاميرون وحتى السودان يشاطرونه هذا القلق. فرغم وجود اضطرابات وصراعات مسلحة في شمال التشاد وجنوبها، كما في شرقها وغربها، كان ديبي يرسل آلافاً من جنوده للمشاركة في عمليات مشتركة إقليمية، وكانت قواته تصنع فارقاً حيثما وُجدت، ما جعل تشاد عصب محاربة الإرهاب، سواء لحفظ السلام في مالي أو في تحالف دول الساحل لمحاربة تنظيمي «القاعدة» و«داعش» أو في «قوة المهمات المشتركة متعددة الجنسية» التي تحارب تنظيم «بوكو حرام». وقد اغتنم هذا التنظيم انشغال تشاد أخيراً بالانتخابات الرئاسية ومعارك الشمال ليجدّد هجماته عبر حدود النيجر. 
فهل سيضطر الوضعُ الداخلي «المجلسَ العسكري الانتقالي» إلى سحب مساهماته الخارجية؟ هذا ما أراد الرئيس الفرنسي الاطلاع عليه من محمد ديبي الابن خلال حضوره مأتم ديبي الأب. ذاك أن مقر قيادة عملية «برخان» في مالي يوجد في نجامينا، ولا بدائل وشيكة في الوقت الراهن. لكن باريس تتطلّع إلى أن يحصل تغيير في تركيبة النظام التشادي ليتمكّن من معالجة مشاكله مع القبائل والأعراق الناقمة في مختلف الأنحاء، خصوصاً أن أحزاب المعارضة نددت بالمجلس العسكري واعتبرته «انقلاباً مؤسساتياً». 

وثمة اقتراحات قيد الدرس لتنظيم حوار وطني، تمهيداً لتقصير المرحلة الانتقالية وتطعيم الحكم بمشاركة مدنية متنوعة. وقبل ذلك لا بد من تأكيد تماسك المؤسستين العسكرية والأمنية، إذ أن إدريس ديبي تمكّن من توطيد استقرار الحكم منذ عام 1990، وقبل ذلك كانت البلاد مسرحاً لانقلابات عسكرية متلاحقة.