ما هو مفهومنا للأمن السيبراني National Cybersecurity من منظور الأمن القومي، كونه ليس جزءاً من منظومة الحدود الطبيعية أو الجغرافية للدولة، وانطلاقاً من شرعية حق الدفاع عن جغرافيا غير ملموسة؟ ذلك هو التحدي الأكبر أمام جميع الدول اليوم، لأننا نعيش واقع حروب الجيل الخامس وأنها لم تعد فرضية. إنها حالة التزاحم الاستراتيجي بين الأقطاب الكبرى (الولايات المتحدة/ الصين/ روسيا الاتحادية) على النفوذ، ومن خلفهم لاعبون إقليميون.
ولإدراك حجم ما يعنيه الدفاع عن العمق القومي (سيبرانياً)، علينا مراجعة ما تعرضت له شركة كولونييل بايب لاين Colonial Pipeline الأميركية من اختراق سيبراني لمنظومة التشغيل والتحكم، والتي ينقل عبر شبكتها الإقليمية (الشرق الأميركي) ما يتجاوز 2.5 مليون برميل من المشتقات النفطية، أي ما نسبته 45% من الاحتياجات اليومية لعموم الساحل الشرقي من الولايات المتحدة. وحتى لحظة متابعة كتابة هذا المقال في (12 من مايو) لم تستطع الشركة أو الوكالات الفيدرالية الأميركية استعادة السيطرة على منظومة التشغيل في الشركة منذ وقوعه يوم الجمعة الفائت. مجموع الولايات التي تأثرت نتيجة هذا التعطل في سلسلة الإمداد هي 18 ولاية، أي انقطاع مفاجئ في إمداداتها من قود الطائرات/ وقود السيارات/ ومشتقات أخرى. ماذا لو تزامن ذلك مع إطلاق الولايات المتحدة حملة التطعيم الوطنية، وهل كانت ستكون قادرة على استيعاب ذلك، وكيف ستعتبر الولايات المتحدة مثل ذلك الاعتداء؟
رغم ما يتخذ من تحوطات وقائية في تأمين المنظومات السيبرانية المتراصة أو المستقلة، إلا أن حدوث اختراق لمثل تلك المنظومات قد لا يكون بشكل مباشر، والمثال على ذلك ما حدث عبر اختراق سولر وندز SolarWinds، وهي أحد مزودي الخدمات للمؤسسات الوطنية والفيدرالية الأميركية. وتداعيات ذلك الاختراق لازالت متواصلة حتى يومنا هذا منذ اكتشافه في مارس 2020. 
الانتقال في محاكاة الأزمات من التقليدية إلى غير التقليدية مثل: حالات النزوح الكبرى جراء التغير المناخي (غمر المناطق الساحلية الكثيفة السكان (مصبات الأنهار/ الأراضي المنخفضة) في الشرق الأقصى والأدنى (بنجلاديش)، أو الجوائح الكبرى (كوفيد-19) في دول ذات كثافة بشرية عالية جداً، وذات بنى تحتية متقادمة (صحية/ مواصلات/ اتصالات) تَحد من قدرتها على الاحتواء الفاعل للانتشار (بنجلاديش/ الهند/ باكستان/ إيران/ مصر/ نيجيريا وتقريباً عموم وسط أفريقيا بضفتيها) أو دول منهارة سياسياً (سوريا/ العراق/ أفغانستان/ ليبيا/ تشاد).
هذا الاعتداء والآخر عبر سولر وندز SolarWinds يثبتان أن مفهوم حصانة الحدود الطبيعية لأي دولة هو مفهوم متقادم، وأن إعادة تقييم مصادر التهديد قد تستدعي الاستباق كأحد خيارات الاحتواء. ولنا تناول فرضية استهداف دول ذات قدرات وبنى تحتية متقادمة لمثل هذا النوع من الاعتداءات: تفشل الهند في احتواء الموجة الأخيرة من كوفيد-19، وتتعرض منظومات اتصالاتها ومواصلاتها لاعتداء سيبراني. ما هي الإجراءات ستتخذها في احتواء شقي الأزمة ضمن حدودها/ تأثير انتقال الفصيلة المتحورة إلى دول جوارها (بنجلاديش/ باكستان/ نيبال/ بوتان). وإلى جنوب شرق آسيا عبر بنجلاديش، وإلى وسط آسيا والشرق الأوسط عبر باكستان/ أفغانستان/ إيران. لنا الآن تصور مواجهة كل ما سبق دون وجود لأي آلية من آليات القيادة والسيطرة وأهمها انهيار كامل لمنظومة الاتصال الرقمي، وهل سيستطيع العالم احتواء أزمة بذلك الحجم؟ في 13 مايو الجاري، اتخذت شركة كولونييل بايب لاين قرار دفع الفدية بعد أن فشلت كل المؤسسات الوطنية والفيدرالية في استعادة السيطرة على منظومات التشغيل. 

* كاتب بحريني