يسحق وباء «كوفيد-19» حالياً بعضَ البلدان النامية، مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، غير أنه لن يكون مفيداً الاكتفاءُ بإدخال بعض التغييرات البسيطة على الملكيات الفكرية المتعلقة بلقاحات منقِذة للأرواح صنعتها مجموعة صغيرة من شركات الأدوية. ومن المهم أكثر تطبيق خبرة قطاع صناعة الأدوية في التصنيع والتوزيع على هذا التحدي الكبير، كما أشارت إلى ذلك هيئة التحرير في خدمة «بلومبيرج» وزميلي ليونيل لوران، وذلك لأن الوصول إلى الوصفة من دون وصول إلى الفرن وأطباق التقديم لن يكون كافياً لوضع الطعام في يدي أي أحد. 
ثم هناك عنصر آخر غائب عن خطة الإنقاذ الفتية، ألا وهو شراكات متطورة وفعّالة بين القطاعين العام والخاص. فـ«عملية السرعة الفائقة»، التي تُعد من أبرز نجاحات إدارة ترامب، التي في ما عدا ذلك أساءت تدبير الرد على الوباء عموماً، إنما نجحت لأن الحكومة الفدرالية وفّرت دعماً مالياً للشركات من أجل مساعدتها على التغلب على طائفة متنوعة من المخاطر لتطوير لقاح. فقد دعم البيت الأبيض «عملية السرعة الفائقة» بـ10 مليارات دولار من الأموال الفدرالية. وهذا المال سرّع تطوير الدواء –عبر السماح للشركات بإجراء التجارب وصنع اللقاحات على سكتين متوازيتين– وعرض سوقاً مضمونة، إذ أصبحت الحكومة الفيدرالية مشتريَ الملاذ الأخير، وأزالت حالةَ عدم اليقين المرتبطة بالإنتاج والمبيعات والتي تبطئ تطوير العقار عادةً أو تعرقله. وفجأةً زال الخطر.

مجموعة صغيرة من شركات الأدوية –مثل «آسترازينيكا» و«غلاكسو سميث كلاين» و«جونسون آند جونسون» و«موديرنا» و«نوفافاكس» و«فايزر» و«سانوفي»– تلقّت حصة الأسد من تمويل «عملية السرعة الفائقة» ودعمها. وكما نعلم الآن، فإن «موديرنا» و«جونسون آند جونسون» جلبتا إلى السوق في الأخير عقاقير غيّرت مسار الوباء. وقد اختارت «فايزر»، التي أنتجت أيضاً عقاراً أشبه بالمعجزة في زمن قياسي، عدم أخذ المال الفدرالي، لكنها تلقّت تطمينات بأن «عملية السرعة الفائقة» ستشتري لقاحها في حال اعتماده. وحصل شريك «فايزر»، وهو «بايونتيك»، على 445 مليون دولار من الحكومة الألمانية بهدف مساعدة الشركة الأصغر حجماً على تطوير تكنولوجيا الـ«آر إن إيه» المبتكرة الخاصة بها وصنعها. 
غير أن كل هذه المساعدة الحكومية تُبرز عيباً آخر في النقاش حول الملكية الفكرية للقاح ضد «كوفيد-19»، وما إن كانت إدارة بايدن محقةً في دعم الإعفاء من الملكيات الفكرية بشكل مؤقت. وتقوم «منظمة التجارة العالمية» حالياً بمراجعة مقترح للقيام بذلك، لكن بعض شركات الأدوية ومحللي «وول ستريت» يشتكون من أن هذا الإجراء إنما يرقى إلى سرقة. 
والواقع أن براءات الاختراع وقوانين الملكية الفكرية، إنما وُجدت من أجل حماية ابتكارات المبتكرين وضمان حصولهم على نصيبهم العادل من أرباح منتجات رائدة أو ذات شعبية. لكن في العقود الأخيرة، استخدمت الشركات الكبيرة براءات الاختراع أيضاً لإسكات المنافسين. 
ومما لا شك فيه أنه ينبغي تعويض قطاع صناعة الأدوية عن الابتكار والمخاطرة، كما تنبغي حمايته من السرقة. لكن شركات الأدوية، التي كثيراً ما تُدعم بالمال العام، استخدمت براءات الاختراع أيضاً لإخضاع المنافسين والإبقاء على أنظمة أسعار مربحة، حتى عندما لا يصبّ ذلك في المصلحة العامة. وما عليك إلا أن تتأمل الانتقادات التي وجهت لـ«جيلياد ساينسز» العام الماضي بسبب الكيفية التي سعّرت بها «ريمديسيفير»، الذي روجت له على أنه علاج لـ«كوفيد- 19». 
والواقع أن اللقاحات التي في السوق الآن لم تصبح موجودة بفضل الرأسمال الخاص فقط. فدافعو الضرائب ساعدوا في دفع جزء مهم من الفاتورة، وينبغي خدمة مصالحهم أيضاً. وكانت «موديرنا»، التي يمكن القول إنها ما كانت لتجلب الدواء إلى السوق لولا المساعدة الحكومية، قد أعلنت أنها لن تسعى لفرض احترام حقوق براءة اختراعها خلال الوباء. 
وعليه، فإن إدارة بايدن لديها بعض الأسباب لدعم الإعفاء من براءة الاختراع الذي تجري دراسته في «منظمة التجارة العالمية». لكن حتى في حال مُنح الإعفاء، فإن ذلك لن يرفع العراقيل الأكبر التي تعترض طريق الحصول على اللقاحات بالنسبة للبلدان النامية، لأن ذلك سيتطلب مزيداً من الشراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص. 
ولكي تترسخ «عملية سرعة فائقة» مماثلة في بلدان مثل الهند والبرازيل، سيحتاج زعماؤهما السياسيون إلى القدر نفسه من تأثير الجمهور الذي استطاعت الولايات المتحدة وأوروبا تطبيقه. لكن زعيمي البلدين، ناريندرا مودي في الهند وجائير بولسونارو في البرازيل، أبانا عن أجندات مؤيدة للسوق على حساب التخطيط العام البنّاء. وقد لا تتأتى لهما صياغة رد عام قوي ومقْنع. 
لقد أثبتت «عملية السرعة الفائقة» أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص قادرة على خلق القوة اللازمة لوضع برنامج لقاحات ضخم وفعّال. لكن الإعفاء من براءات الاختراع لن يكون مهماً من دون دفعة محلية أكبر لتطوير اللقاحات وصنعها وتوزيعها بأسعار معقولة. وعلى الحكومات في البلدان النامية أن تلعب دوراً محورياً في تلك العملية، لكن الكثير منها يبدو أنها لا ترقى إلى مستوى المهمة.

 

*كاتب وصحافي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»