انتهت الأزمة التي كان سببها جنوح سفينة الشحن العملاقة «إيفر جيفن» في قناة السويس. كان أسطول من القاطرات والجرافات وأطقم الإنقاذ على طول ضفتي القناة قد عمل بجهد على مدى عدة أيام من أجل تحريك «إيفر جيفن» – سفينة الحاويات الضخمة التي علقت بين ضفتي القناة، في أبريل الماضي. تحررت واتجهت شمالا نحو «البحيرات المرة»، حيث تستطيع السلطات تفتيش السفينة العملاقة من دون التسبب في تعطيل حركة الملاحة البحرية. 
الحادث المؤسف كان أدى إلى تعطيل حركة الملاحة البحرية عبر قناة السويس، وهو ممر مائي من صنع البشر يعرف مرور أكثر من عُشر الشحن العالمي كل عام، لقرابة أسبوع. وإذا كان انسداد القناة قد أثار كما هائلا من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه تسبب في عرقلة نحو ب9.6 مليار دولار من حركة الملاحة البحرية كل يوم، وكان بمثابة تذكير بمدى اعتماد الاقتصاد العالمي على النقل البحري –ما يناهز 70% من كل التجارة الدولية. 
وقد يستغرق الأمر قرابة أسبوع آخر من أجل التخلص من الازدحام المتراكم في حركة مرور مئات السفن والناقلات الأخرى التي تنتظر دورها للقيام بعملية العبور نفسها عبر القناة. وقد لا تتضح تأثيرات هذه الاضطرابات على سلسلة الإمداد إلا بعد عدة شهور مقبلة، ولكن اليوم لنتأمل دروساً أخرى من أزمة السويس الأخيرة. 
إنها قصة عالمية. الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أشاد بتحرير السفينة باعتباره نجاحا وطنيا لمواطنيه، و«وصف الجهود بأنها نصر وطني أكد للعالم أنه يمكن الوثوق بمصر وائتمانها على الإشراف على 13% من إجمالي التجارة العالمية التي تمر عبر الممر المائي الهام جدا»، كما أشار إلى ذلك زملائي. 
غير أن شخصيات القصة كانوا بمثابة منظمة أمم متحدة عائمة. ولنتأمل سفينة الحاويات العملاقة نفسها: فسفينة «إم في إيفر جيفن» كانت مملوكة لشركة في اليابان، تشغّلها شركة حاويات شحن يوجد مقرها في تايوان، تديرها شركة ألمانية ومسجلة في بنما. وأفراد طاقمها الخمسة والعشرون مواطنون هنود. 
وكانت السفينة تقوم برحلة لنقل السلع من آسيا إلى أوروبا، وخاصة ميناء روتردام الهولندي. وقد جنحت وسط عاصفة رملية شرق أوسطية، وأُنقذت من قبل شركة إنقاذ هولندية ومشغّلي سفن قَطْر مصرية محلية. 
محنة «إيفر جيفن» أبرزت هشاشة الاقتصاد العالمي. فقبل قرن ونصف القرن، بشّر فتح قناة السويس بعصر جديد للشحن العالمي السريع ازداد سرعة في العقود اللاحقة. وفي الأثناء، ازدادت قدرات سفن الشحن خلال نصف القرن الماضي بحوالي 1500%، ما وسّع نطاق السلع الاستهلاكية المتاحة وخفّض الأسعار عبر العالم.
غير أن تلك الزيادات في الحجم باتت تتسبب الآن في اختناقات في الممرات البحرية الرئيسية التي تعرف حركة ملاحة كثيفة مثل قناة السويس. وفي هذا الصدد، قال مرشد سفن يعمل لدى «هيئة قناة السويس» لزملائي: «إن السفن اليوم باتت أكبر حجماً مما كانت عليه»، مضيفاً أن مهمة إبحار سفن مثل «إيفر جيفن» عبر القناة أصبحت أكثر تعقيدا. «وهذا شيء جديد لم نعهده من قبل». 
عالم من نقاط الاختناق. انسداد قناة السويس خلال جنوح «إيفر جيفن» مثّل تذكيرا قويا بمدى أهمية مجموعة صغيرة من الممرات البحرية المهمة بالنسبة للاقتصاد العالمي برمته، وكذلك للحسابات الاستراتيجية للقوى الإقليمية. فأزمة في قناة السويس، أو قناة بنما، أو مضيق ملقا، أو مضيق هرمز... من شأنها خلق اضطراب في الأسواق العالمية والتسبب في توترات ممكنة بين القوى البحرية المتنافسة. 
ويرى بعض المحللين في قصة جنوح سفينة «إيفر جيفن» لمحة على نوع الأزمات الأصعب والأكثر تعقيدا القادمة. فالصين تعتمد على واردات كبيرة من النفط والحديد وبنت الجزء الأكبر من سياستها الخارجية -- ومن ذلك «مبادرة الحزام والطريق» الطموحة -- من أجل تأمين شبكاتها التجارية البعيدة. 

*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلوميبرج نيوز سيرفس»