جائحة «كوفيد- 19» لم تترك اقتصاداً في العالم، إلا وأحدثت فيه أضراراً بالغة، وبالأخص فقدان الوظائف وتحول أعداد كبيرة إلى صفوف البطالة وفقدان آخرين أعمالهم الخاصة، إذ لم يستثنَ من ذلك بلد أو منطقة، بما في ذلك المنطقة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي من ضمنها. وإذا أخذنا الولايات المتحدة، مثالاً، فإن «كورونا» رفعت معدل البطالة خمسة أضعاف لترتفع إلى 14.7% نهاية العام الماضي مقابل 3.5% قبل «الجائحة»، وذلك بعد انضمام 20.5 مليون عاطل جديد عن العمل، مما يُعد الأسوأ منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات.
الوضع لا يختلف كثيراً في بقية الدول، إلا أن الفرق يكمن في مقدرة كل اقتصاد على تحمل التبعات وتقديم الإعانات للمتضررين والعاطلين، حيث اتخذت دول المجلس، بما فيها عُمان إجراءات وقدمت إعانات ساهمت في الحد من التدهور، حيث سبق أن أشرنا إلى أن دول المجلس قدمت ما يقارب 500 مليار دولار، كدعم لمختلف القطاعات الاقتصادية.
ومع ذلك ارتفع معدل البطالة في معظم دول المجلس لسببين رئيسين، أولهما، «كورونا» وثانيهما انهيار أسعار النفط في بداية «الجائحة»، وهو ما أوجد تعقيدات جديدة، حيث تزامنت هذه التطورات مع تسلم السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم بعُمان، والذي عمل جاهداً على التقليل من هذه التداعيات، رغم الظروف المعاكسة الخاصة بـ«الجائحة» وأسعار النفط التي عرقلت بعض التوجهات مؤقتاً.في هذا الجانب، يمكن الإشارة إلى مسألة مهمة، وهي أن «الجائحة» أضرت بصورة رئيسة بالوظائف في القطاعات ذات الاستخدام الكثيف للأيدي العاملة Labor intensive كالقطاع السياحي والخدمات والطيران والفندقة، وهي قطاعات تشكل مفاصل رئيسة للاقتصاد العُماني، وهو ما زاد في تصاعد أعداد العاطلين، بعدما قام القطاع الخاص والشركات المساهمة بتسريح أعداد كبيرة.
لحسن الحظ، هناك مسألة لا بد من استيعابها، وهي أن تداعيات «الجائحة» مؤقتة وستعود الأعمال إلى سابق عهدها، وقد بدأت بالفعل، كما أن التوظيف سيتنامى في الأشهر القادمة، علماً أن أسعار النفط عند أعلى مستوياتها منذ سنوات، وهي مستقرة عند حدود 70 دولاراً للبرميل، وهو ما يبشر بتحسن الأوضاع الاقتصادية، وخلق المزيد من الوظائف في الفترة القادمة.
هذا لا يعني غض النظر عن موضوع البطالة في دول مجلس التعاون، وهي إحدى القضايا التي يجب إيلاؤها الاهتمام اللازم لارتباطها بمستويات المعيشة والاستقرار، حيث اتخذت خطوات عملية مهمة للتخفيف من حدتها، فسلطنة عُمان اتخذت العديد من الإجراءات، بما فيها وقف التأشيرات لبعض القطاعات، كما انخفضت البطالة بين السعوديين في الربع الرابع من العام الماضي إلى 12.6، مقابل 14.9% للربع الثالث، وهي في تراجع مستمر بفضل المشاريع الكبيرة التي أعلن عن تنفيذها.
هناك مؤشرات إيجابية لحل هذه المعضلة تتمحور حول وجود رؤية لدى السلطان هيثم بن طارق الذي تميزت خطواته الأولى بالذكاء والتأني في إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد والمجتمع ، إلا أن ذلك بحاجة للوقت، ويتطلب تعاون القطاع الخاص في توفير الوظائف بصورة أساسية، ففي الوقت الذي يشكل فيه العُمانيون 85% من العاملين في القطاع الحكومي، فإن نسبتهم لا تتعدى 13% من مجموع مليوني عامل في القطاع الخاص، مما يعني أن هناك إمكانات كبيرة لتوفير الوظائف، كما أن هناك مشاريع كبيرة في طريقها، كمشروع مصنع إنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة 30 مليار دولار، باعتباره أكبر مصنع من نوعه في العالم، مما سيحول عُمان إلى دولة رائدة في إنتاج الطاقة المتجددة وفق صحيفة «الجارديان» البريطانية.