فلسفة الإمارات كدولة ترتكز على التنوير. فمن شكل الدولة الاتحادية انطلقت رؤية الإمارات في الشرق الأوسط، لذلك لم يكن أمام مؤسسات الدولة إلا أن تنخرط في المشروع التنويري الذي نشأ في بيئة صحراوية صعبة التضاريس إلا على مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- فذلك الرجل كان شديد المراس، قوي البأس، لا يعرف المستحيل، تلك النشأة الوطنية غير التقليدية كانت النقطة المضيئة في درب طويل ينتهي بالنور، ومن تلك النقطة الأولى كانت البدايات لمفهوم الهوية الإماراتية بأن تكون بلداً تنويرياً باعثاً للمعارف والعلوم.
التنوير في القرن الحادي والعشرين يرتبط بالتكنولوجيا الرقمية ومتعلقاتها من الذكاء الاصطناعي وغيرها من المجالات، التي لا يستثنى منها الصحافة كواحدة من الضروريات الإنسانية التي دخلت في القرن الماضي مخاضاً عسيراً جعلها من الأولويات في التأثير على المجتمعات، وكما وظفت الصحافة في الحربين العالميتين الأولى والثانية وكذلك الحرب الباردة في الإخضاع الأيديولوجي والسياسي، فهي تدخل القرن العشرين برؤية تنويرية لها خصالها ومبادئها، وهذا المتغير الأساسي يساهم بفاعلية في الإطار الصحفي الذي بات مختلفاً في محتواه وأبعاده.

الصحافة في الإمارات تبدو تجربة فريدة عن التجارب النمطية على الأقل في منطقة الشرق الأوسط. فمنذ سنوات بدأت استقطابات المؤسسات العالمية التي حصلت على ما تحتاج إليه من البنية التحتية، سواء الاتصالات أو التقنيات المتصلة بالعمل الصحفي، ومع ذلك تحفزت الإمارات ككيان باستقطاب ما يعزز رسالتها التنويرية، فحصل عدد من المؤسسات العالمية على فرصة لتجديد روحها ولغتها في هذه المنطقة الجغرافية ومنها شبكة «سكاي نيوز عربية»، التي بدورها خطت خطاً تحريرياً له خصائصه ومعاييره المحددة.

من الممكن أن تحول أي منصة إعلامية كانت إلى أداة توجيه وشحن لتحقيق غايات وأهداف سياسية أو أيديولوجية. ولكن أن تستهدف التنوير وتعمل على توظيف كافة التقنيات المتاحة من الواقع المعزز وغيرها لنشر العلوم والمعارف، فهذا يتطلب إيصال الأخبار السياسية والاقتصادية بحرفية إخبارية لا تتعمد التضليل والتوظيف لأغراض تزييف الحقائق وانتهاز الحوادث في مستنقعات آسنة تعتمد على استنتاجات خاطئة يتعمد تمريرها للخداع.

المهمة أصعب بمراحل، وهي أعقد بكثير مما يعتقد المراقبون. والمسؤولية التاريخية أكبر من المسؤولية المهنية بكل ضوابطها وأخلاقياتها، وثمة مهمة معقدة تتطلب تقديم الأخبار والمواد الوثائقية وفق البرمجيات العصرية، فهذا هو التحدي المختلف الذي تختبر الصحافة العربية نفسها فيه. فلم تعد المساحات الورقية ترغب في المقالات التحليلية الطويلة، ولم تعد النشرات الإخبارية تستجيب للعودة بالمشاهدين لعقود زمنية تعطي لمحة تاريخية للخبر. فهذه تختزلها تقنية الواقع الافتراضي التي يجب على الصحفي التعامل معها، وحتى الصياغة الخبرية التقليدية لم تعد تنتظر من المحرر الصحفي سوى كتابة العنوان المباشر والتعليق على صورة أو مقطع تسجيلي من ثوانٍ معدودة.

التنوير لن يكون بغير صحافة، تنتهج قيم تعتمد الوطنية كأسس لكل البلاد العربية، لذلك وجد الصحفيون العرب مواقعهم في مؤسسة كـ«سكاي نيوزعربية» لتكون نافذة من نوافذ التنوير غير المؤدلج عقائدياً، المعتمدة على احترام العقل العربي عبر كافة منتجات المنصات المختلفة، التي تدار بتقنيات عصرية متسارعة في تحدٍ ذاتي تعيش فيه المؤسسة مع كوادرها لتقديم المادة المعرفية، دونما تدليس أو تحريف. فالمعرفة حق من حقوق المواطن العربي لابد أن يحصل عليها بمهنية وجودة. وكسر التابوهات التي بناها الإعلام المؤدلج في عقود، تتطلب قدرات وعزائم لكوادر تؤمن بحق الموطنيين العرب في الجغرافية العربية والمَهاجِر على ما يمكن من المعارف والقصص الإخبارية كما هي، وفي هذا فليتنافس المتنافسون، وليس ليدلس المدلسون الفاسدون.
* كاتب يمني